هل السياسة لعبة قذرة . . ؟ بقلم الطيب الزين

هل السياسة لعبة قذرة . . ؟ بقلم الطيب الزين


08-13-2019, 06:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1565716041&rn=1


Post: #1
Title: هل السياسة لعبة قذرة . . ؟ بقلم الطيب الزين
Author: الطيب الزين
Date: 08-13-2019, 06:07 PM
Parent: #0

06:07 PM August, 13 2019

سودانيز اون لاين
الطيب الزين-السويد
مكتبتى
رابط مختصر




كثيراً ما قرأنا وسمعنا البعض يتحدثون عن السياسة، ويقولون عنها إنها لعبة قذرة. . !
في المساحة التالية، نحاول سبر غور هذا النص، ليس بهدف محاكمته، وإنزال عقوبة الإعدام بالسياسة أو التشهير بها، لأنها قذرة، ألحقت بِنَا المآسي والبلاوي، ونواصل السير في درب ثقافة القطيع، التي تصف السياسة بالقذارة . . !
وإنما نحاول الوقوف مع الذات ولم شتات التناقضات وفك بعض الطلاسم والإلتباسات التي تطوق حياتنا الثقافية والسياسية والإجتماعية بغرض إستنكاه لب بعض النصوص، لاسيما هذا النص الذي صدرنا به هذا المقال لمعرفة الأهداف الحقيقية المختبئة وراء وصف السياسة، بإنها لعبة قدرة . . ؟
سعينا للتنقيب والتقصي يأتي منسجماً مع رذاذ العافية ومناخات الحرية التي نعيشها هذه الأيام، بعد أن أفلحت ثورتنا الشعبية في تغيير وجهة البلاد وتوجهها الأمر الذي أنعكس أملاً وفرحاً وألقاً في العقل والروح والأحاسيس والمشاعر، وشكلت مهمازاً للمخيلة لتحرير ذاتها وإطلاق أجنحتها من حبال الخوف، لتحلق في فضاءات المعرفة متسلحة بثقافة السؤال،ونفض غبار السنين عن شفاه النصوص، وتفجير ينابيع فرح مسامات الروح، وتوسيع مساحات الفرحة في وجوه الناس، وأفواه الكلمات، وشد أعصاب المعرفة، وإثارة ثقافة السؤال للغوص في بحور البحث والتنقيب، والسباحة عكس تيارات المالؤف، والغوص عميقاً في الأعماق الباردة، وملامسة قاع البحر، ومن ثم الطفو على شاطئ بحيرة الحوار مع الآخر الوادعة، تحت طقس أكثر إعتدالاً، مما يمهد الطريق لبزوغ زمن ثقافي ومعرفي جديد، حتماً سيكون طقساً ملائماً لممارسة نشاط ذهني ومعرفي في حقبة زمنية واعدة، نعتقد إنها ستكون أفضل مما كنا عليه طوال ثلاثة عقود مضت، تم فيها إستباحة الثقافة وتشويه بناها وأنساقها عبر منطق إنتهازي أدعى إحتكار الحقيقة المطلقة، لذلك أسرف في دماره وخرابه وعبثه بالحياة وفضاءاتها، بشكل خاص الثقافة ومفرداتها لاسيما مفردات اللغة المرتبطة بالحياة وهمومها، والواقع المعيشي اليومي، الذي تأثر كثيراً بمضاعفات الخطاب الذي كسر معايير القيم، مستغلا مفردة السياسة لعبة قذرة . . !
للأسف الشديد تم إستخدام هذه المفردة وتداولها وترسيخها في عقول الناس بشكل خاطئ، لإيجاد بيئة ثقافية موبؤة بالعفن الفكري والخراب السياسي والمعرفي والثقافي، تسهيلاً لمهمة خداع الناس والتحايل عليهم بتبريرات واهية.
إستخدمها السياسيون الإنتهازيون، لتبرير أخطائهم وتجاوزاتهم وخباثاتهم، وإرتداءها كمعاطف فضفاضة ومزركشة لمداراة إعاقاتهم الفكرية والسياسة والثقافية، والإختباء وراء بعض المفردات المرواغة، دون تحمل عناء البحث والتمحيص والتدقيق لتقديم قراءات وشروحات ناضجة تساعد الناس على فهم الواقع والتكيف المرن والتعاطي الذكي مع تحدياته .
السياسيون القذرون الإنتهازيون، لا يمارسون السياسة بوعي سياسي حقيقي وقيم وأخلاق رفيعة، وإنما هم في الواقع طارئين ومتطفلين على السياسة دخلوها من أجل التكسب السياسي الرخيص والعيش الرغيد على حساب الشعب وحقه في الحياة الحرة الكريمة . . !
وواقعنا السياسي السوداني طافح بنماذج ورموز براعة في الإنتهازية وإستغلال البسطاء، هذه النماذج من الناس ليس لها مصلحة في نشر المعرفة وتوسيع مساحات الوعي، في مجتمع مسحوق بالإكراهات وضغوطات الحياة، بل هم في الواقع يحاولون إستغلال هذه الأجواء والأزمات وتوظيفها لتحقيق أغراضهم الخاصة.
هذه الكيانات الطفيلية كثيراً ما إدعت محاربة الظلم، لكنها في الواقع تستثمره لمحاربة أي توجه لنشر الوعي وتمليك الناس الحقائق.
من واقع البحث والتدقيق والمقارنة بين تجاربنا في العالم الثالث، والسودان على وجه الخصوص، وتجارب العالم المتقدم والمتحضر وصلت إلى قناعة، أن عدد كبير من السياسيين في بلادنا هم القذرون ، لذلك يروجون لهذا الخطاب التضليلي، لمحاربة أي توجه ثقافي صحي نزيه يتبنى قضايا المجتمع ويخاطبه بأفق ثقافي معرفي ناضح ومتحرر من سطوة المصالح الضيقة واليقينيات القامعة للعقل والقاتلة للمواهب، والشعارات المصادرة لحقوق البسطاء، التي يستخدمها الساسة الإنتهازيون في وسائل الإعلام، في الصحف والمجلات والفضائيات والندوات والحوارات، وكل أدوات المعرفة ووسائط التواصل الإجتماعي مع المجتمع للترويج للمفاهيم الخاطئة بهذا المستوى المنحط.
فأصبحت الساحة السياسية عندنا في السودان طوال الثلاثون الماضية غابة عامرة بالانتهازيين الذين ينتهجون نهج الغاية تبرر الوسيلة، مبررين كل أخطاءهم وخطاياهم بأن السياسة في نهاية لعبة قذرة . . !
لذا تجدهم يستخدمون شعارات الدين تارة، وتارة أخرى شعارات جهوية وعنصرية بغيضة في سياق سعيهم المتواصل لفرض خطابهم الزائف الذي لا يتورع عن خذلان الشعب وخيانته، ومناصرة أي توجه يمكن أن يحقق لهم مصالحهم حتى لو قاد لتكريس الهيمنة والإستبداد الذي يصادر الحريات ويلغي دور العقل، ويحارب الفلسفة، كونها أحد مصادر المعرفة والثقافة، فالإنسان الطبيعي لابد أن يمارس السياسة لأنها جزء أساسي من حياته، لكن السياسيين النفعيين يحاولون أن يبعدوه عن حقل ممارسة السياسة، عبر إدعائهم تمثيله والدفاع عن حقوقه حتى تخلوا لهم الساحة لينفردوا بالقرار.
لذلك أقول أن السياسة ليست قذرة، وإنما القذرون هم الساسة الإنتهازيون.
السياسة فن وعلم وقيم ومبادئي وأخلاق ورسالة إنسانية عظيمة ونبيلة لأنها مسكونة ومشغولة بهموم الناس وحياتهم ومصائرهم، إن إستقرار الدول وتطورها وتقدمها، وتحسين حياة الشعوب مرتبط بالسياسة ووعي الفاعلين في ميادينها، وقيم أخلاقية، تجعلهم يخدمون شعوبهم بتفاني وإخلاص في إطار إحترام الدستور والقانون الذي يتساوى أمامه الجميع . . وعندها لن تكون السياسة لعبة قذرة وإنما رسالة إنسانية عظيمة.
الطيب الزين