مشكلة البرلمانات في السودان والقادم أدهى وأمر بقلم د.أمل الكردفاني

مشكلة البرلمانات في السودان والقادم أدهى وأمر بقلم د.أمل الكردفاني


08-05-2019, 04:22 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1565018558&rn=0


Post: #1
Title: مشكلة البرلمانات في السودان والقادم أدهى وأمر بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 08-05-2019, 04:22 PM

04:22 PM August, 05 2019

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




قال السيد الصادق المهدي لأحد الطلاب الأنصار من طلبة القانون:
- القانون ثقافة ساي.
والحق يقال أن هذا الذي قاله السيد الصادق يمكن تحليله على مستويين:
المستوى الأول: هو مستوى الفوضى التي عانت منها الدولة منذ الاستقلال نتيجة الصراعات السياسية والتي همشت الضبط القانوني وأدت -من ثم- إلى تحطيم المؤسسات كنتيجة لازمة لتحطيم فكرة القانون.
المستوى الثاني: أن السياسيين يعتقدون - في ظل فوضى الدول- أنهم خارج نطاق المساءلة القانونية.
ففي الوقت الذي استطاعت قاضية صغيرة في إحدى الولايات الأمريكية القاصية أن توقف قرار ترامب تجاه دخول الأجانب للولايات المتحدة الأمريكية. سنجد أن السياسيين وأصحاب السلطة والنفوذ في السودان كانوا يغيرون -ليس القانون فقط- بل الدستور نفسه متى ما تعارض مع مصالحهم الشخصية.
لقد كان دستور 2005 الانتقالي من أقوى الدساتير العربية والأفريقية ، وتضمن -كالدستور الأمريكي- وثيقة ممتازة لحماية الحقوق bill of rights .
ومع ذلك فقد كان نظام البشير هو أول من يقوض ما نسجته يداه لتحقيق مصالح الفئة الحاكمة. فتحول الدستور إلى دستور مزرعة الحيوان ، فيغشاه كل يوم ما يغشى حتى صور ذلك للسياسيين أن القانون مجرد ثقافة.
ولا تفتح مؤلفا قانونيا إلا وتجد فيه نقدا صائبا لركاكة القوانين التي تصدر وضعفها التقني وبؤسها بما أدى باللزوم إلى ضعف المؤسسات ؛ فالمؤسسات لا تتحرك إلا بناء على قانون ينظم وحداتها الداخلية وتفاعلاتها الخارجية مع باقي المؤسسات والأفراد. في عام 2018 صدر قانون الدعم السريع والذي تم اخفاؤه ، فرغم محاولاتي المستميتة للحصول على نسخة معتمدة منه إلا أن كل جهودي باءت بالفشل ، ولم أسمع يوما بقانون يتم سنه ليكون قانونا سريا لا يعلمه إلا أولي الحظوة والنفوذ. بل والأدهى أن بعض البرلمانيين تراهم ينادون بضرورة سن قوانين لتنظيم ظواهر معينة وهم لا يدركون أن هناك قوانين بالفعل تم سنها. وفي إحدى المرات حفيت قدماي بحثا عن قانون فلم أتحصل عليه إلا من إحدى وكالات الأمم المتحدة. لأن الحكومة سنت القانون على عجل حتى تحقق شروطا معينة تؤهلها للحصول على دعم مالي وفني. ثم بعد أن حصلت على الدعم ألقته في الزبالة.
وفي الدول ذات التاريخ التشريعي ستجد مضابط مناقشة مشروعات القوانين ضاجة بالنقاشات القانونية الثرة والذكية والتي تعد لوحدها بمثابة محاضرات علمية ذات فائدة قصوى لكل مهتم بالقانون. وبعض الدول تحتفي وتحتفل عندما تسن قانونا ما بعد جهد سنوات أو ربما عقود من الدراسات والبحث التأصيلي الذي يجمع بين علم القانون والعلوم الأخرى الاجتماعية والطبيعية. أما عندنا فالقانون يسن في أسبوع ويلغى في ثانية.
ألم يتم إلغاء دستور 2005 بجرة قلم من قبل المجلس العسكري ، دون حتى أن يملك هذه السلطة بل ودون حتى مراعاة أن جميع الدعاوى (جنائية ، مدنية ، إدارية) تتعلق بالدستور بشكل مباشر وغير مباشر ، ما رفع منها للمحاكم وما هو بصدد رفعه. وتتعلق بالدستور كل مظاهر الحراك الإنساني وما يحمي وينظم ذلك الحراك.
لكن المجلس العسكري ، ولكي يمارس أقصى أنواع العنف غير الدستوري كان لابد أن يقضي على الدستور. وللأسف من قادوا الحراك السياسي أو زعموا أنهم يقودون الحراك السياسي دعموا (عن قصد أو جهل) هذا المجلس العسكري وعززوا انتهاكه للدستور مما أضطرني اضطرارا لرفع دعوى دستورية ضد المجلس العسكري حماية للدستور. والحمقى يعتقدون أن ذلك بلاهة أو بحثا عن بطولات وهمية ، وهم لا يعلمون أنني كنت أرى ما حدث بعد ذلك رأي العين. حيث انتهكت كل مبادئ الدستور جهارا نهارا واؤلئك الحمقى يصفقون للمجلس العسكري تارة عندما يمنحهم شيئا ثم يلعنونه تارة أخرى عندما يسلبهم شيئا ثم يصفقون له ويلعنونه فلا يكادون يستبينون أمرا ولا هم يعقلون.
إن المهمة الأساسية للبرلمان هو التشريع ، أما المهام الأخرى كمراجعة الميزانية والرقابة السياسية على السلطة التنفيذية فهي مهام فرعية. ولو تم ضبط الدستور والقانون لضعفت الحاجة لتلك الرقابة ، أو سهل أمرها.
في الديموقراطية الثالثة وما قبلها ظلت البرلمانات البائسة تنفق جل وقتها في الجدل السياسي ، مبتعدة عن وظيفتها الأساسية وهي التشريع. وحتى القوانين التي تصدر لم تك تحظى بنقاش علمي بل بهرج ومرج وصراعات السياسيين المعروفة والتي أدت إلى إقعاد المؤسسات ومن ثم أفضت لإنهيار الدولة على النحو الذي نراه اليوم.
وها نحن اليوم نشهد ذات التاريخ يعيد نفسه بل أسوأ مما كان عليه الحال سابقا ، فسنشهد ولأول مرة تركيزا كاملا للسلطات في يد المجلس العسكري والتجمع ، ولذلك فلا أغالي إن قلت بأننا سنشهد بؤسا تشريعيا أشد وطأة وأعوج قيلا. ولا أغالي إن قلت بصدق مقولة السيد الصادق المهدي بأن القانون: (ثقافة ساااي).