الأمير وطائر الشؤم النذير,, بقلم إسماعيل عبد الله

الأمير وطائر الشؤم النذير,, بقلم إسماعيل عبد الله


07-03-2019, 04:42 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1562168548&rn=0


Post: #1
Title: الأمير وطائر الشؤم النذير,, بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 07-03-2019, 04:42 PM

04:42 PM July, 03 2019

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




يحكى أن هنالك إخوة ثلاثة , أحدهم رجل حكيم , والثاني سفيه وعربيد , و الثالث قاتل مأجور وسافك للدماء , تنافسوا جميعهم على تولي مقاليد أمور الإمارة بعد أن قضى أباهم نحبه , وهو الذي جلس على عرش الامارة ما أراد الله له أن يجلس , ودرجت عاداتهم وتقاليدهم الملوكية ومراسم تولية أي خليفة بديل للأمير الذي تطاله يد المنون , أن يتم إجلاس المتنافسين من أجل الفوز بكرسي الولاية أمام مجلس الأخيار , ثم يؤتى بطائر اسمه (طائر المصير) , ليطلق له العنان كي يهبط على كتف أحد المرشحين , فعندما أجريت هذه العملية الانتخابية بطقوسها الملوكية على الأمراء الثلاثة , إختار هذا الطائر أن يعتلي كتف الأمير السفاح , فامتعض مجلس الأخيار و أستاء من هذا الاختيار غير الموفق بل والكارثي , فأعادوا الطائر إلى مكانه و كرروا ذات الاجراء للمرة الثانية و الثالثة و (حدث ماحدث) في المرة الأولى.
طرح مجلس الأخيار اقتراحاً على الأمير المنتخب بأن يتنازل عن هذا الاختيار , و أن يفسح مجال التنافس مرة أخرى للأميرين الآخرين لتعاد عملية الانتخاب , لأن السيره الذاتية للأمير المنتخب سيئة للغاية , وسمعته لا تسر القريب ولا تسعد البعيد , و يخشى الجميع من حلول كارثة مؤكدة بشعب الامارة حال توليه لأمر الناس , فرفض الأمير السفاح الأقتراح و تمسك بحقه في حكم الامارة , وقال ضاحكاً : انتم تعلمون أن الله قد اختارني لكي اكون والياً عليكم , وتعلمون أيضاً أنه يعلم من انا ومن أكون , لذلك لم يكن اختياره لي إلا لحكمة بالغة يعلمها هو وحده , ولا يشاركه أحد في هذا العلم.
هذه القصة تلفت انتباهي لمسيرة المخلوع السفاح المشير عمر البشير , فقد قدر رب الكون أن يجلسه على رقابنا بجيوشه وسيوفه ثلاثون عاماً , برغم معرفة الخالق جل وعلا بمكنونات نفسه الملوثة بدماء فتاة (المسيرية) , قبل حضوره من (ميوم) بغرب كردفان وتنفيذ انقلابه المشؤوم , كيف لا ورب العزة هو من نفخ فيه الروح حينما كان علقة مهينة متعلقة على جدار رحم أمه , لقد درسنا في مراحلنا الباكرة وكغالبية طلاب المدارس الابتدائية في ذلك الزمان , القرآن الكريم و السيرة النبوية الشريفة والحديث و العبادات والعقيدة , وعندما نمر قراءةً بالآية الكريمة : (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) صدق الله العظيم , كنا لا نستبين مغزى معناها الحقيقي و لا نستشعره , و لا يعدو الأمر بالنسبة لنا عن كونه واجب دراسي يتطلب الحفظ حتى لا نرسب في مادة التربية الاسلامية .
أما اليوم فقد اكتملت لدينا الصورة , و استبانت الرؤية بعد ان اشتعل الرأس شيبا , وبلغنا المعنى اليقيني للقرار الإلهي بنزع الكرسي من تحت أرجل أحد جبابرة السودان , وشاهدنا كيفية الإذلال الرباني الحق للعبد الذي يتجبر ويطغى و يعيث في الأرض فساداً , وصدقت نبوءة عمنا و صديقنا الراحل الذي كان دائماً يقول لنا وهو مايزال على فراش المرض (أنتم يا ابنائي محظوظون) , لأنكم سوف تكونون حاضرين في تلك الساعات و اللحظات التي ستؤرخ لزوال عرش البشير , لقد كان هذا العم الراحل من أوائل ضحايا نظام المجرم عمر البشير , فكم من رجل و امرأة و ولد وبنت و عجوز نالهم ما نال هذا العم المرحوم , من بطش آلة الدكتاتور.
لقد كان عمر (نعم الاسم وبئس حامله) أبشع نموذج للطغاة القتلة وسافكي الدماء , الذي خلى قلبه من أقل مقدار من مقادير الرحمة , ويظل هو الأقبح مثالاً للدكتاتور العنصري الذي سال صديد عنصريته دماً أحمراً ولهيباً حارقاً , في سلسلة جبال مرة و هضبة جبال النوبة وسفوح جبال الأنقسنا , لقد كان أول رأس دولة للسودان يكشف عن خبايا نفسه المريضة لقاض كبير عمل رئيساً للجنة التحقيق في جرائم دارفور , ليطلق كلمته الفاحشة والعنصرية والبذيئة تلك في حق وشرف المرأة الدارفوية , سوف يبقى اسم هذا السفاح عار في جبين تاريخ الشعوب السودانية على مدى سنين مستقبل السودان المشرقة القادمة.
ولو كان ثمة علامة بارزة في سجل وتاريخ فترة حكم المخلوع , فهي جريمة فصل جنوب الوطن الحبيب , و وراثتنا كشعوب سودانية لتركة نظام سياسي ما زال يحمل نصفه مشلولاً , وهذه العلامة البارزة يجب أن تكون محذرة ومنبهة لقوى الحرية والتغيير و للمجلس العسكري سواء بسواء , لكي يسيروا على طريق الوحدة و أن يتجنبوا منزلقات العنصرية الممقوتة التي أودت بنا إلى هذا المآل , وهذا الطريق الوعر الذي مازالت أقدامنا مغروسة في وحله , فالذي هزم امبراطورية المخلوع هو تقسيم الناس الى سادات وعبـيد , والتمييز بينهم , هؤلاء أصيلون و أولئك هامشيون , و قولبتهم في قالبين لاثالث لهما هما أبناء الذوات و ابناء السفلة , ظناً منه أن النظرية الاستعمارية التي نجح في استخدامها البريطانيون بحق شعوب البلدان التي اغتصبوها , سوف تؤتي أكلها في أرض السودان , ولكن حكمة الله بالغة فقد ارتدت ذات السهام المسمومة و الصدئة على صدره.
سودان ما بعد البشير يجب ان يسع جميع السودانيين , ومن (أُدين) في جريمة فمكانه المقصلة أو دور الاصلاح , وأن لا يتم ضرب إسفين الفرقة والشتات بين مكونات المجتمع الواحد , وأن لا يقسم المواطنون ويطردون خارج وطنهم الى ارتريا و االحبشة ومصر وتشاد , وعلى الحكومة التنفيذية و المجلس النيابي المنتخبين , واللذان يجب أن لا تطول فترة انتظارالناس لهما , أن يشرعا في تقديم واجازة القوانيين التي تحاكم العنصريين والفوضويين , الذين منحوا انفسهم حق الشرطي و صلاحيات وكيل النيابة و قرار القاضي و مفاتيح السجّان , وفوق كل هذا وذاك علينا تكثيف الدعاء لله عز وجل , كل من محرابه , المسلم من مسجده و المسيحي من كنيسته و الكجوري من كهفه , بأن لا يحط طائر شؤم تقرير المصير على كتف أي أمير من اأمراء العنصرية الذين يضج بهم المجتمع.

إسماعيل عبد الله
[email protected]