تجمع الوهميين ومنطق الدجاجة الحمراء بقلم د.أمل الكردفاني

03:00 PM July, 03 2019

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر

اتصل بي أحدهم وهو يتباكى على ما أكتب قائلا أن تجمع الوهميين هو من كان يكتب الجداول والجماهير تخرج وبالتالي فمن حقه أن يتولى مقاليد السلطة.
طيب..
سآخذ بهذا المعيار .. معيار الدجاجة الحمراء التي جاءت قصتها في كتاب المطالعة في المدرسة الابتدائية حينما قالت: الفول فولي زرعته وحدي وحصدته وحدي وطبخته وحدي وسآكله وحدي.
هذا معيار جميل جدا.. فمن يريد ثمن نضاله فلا بأس وليأخذه ولكن دعونا نكون عادلين ونمنح الثمن وفقا لمن هو أولى به.
منذ عام 1989 كان هذا الشعب يناضل ؛ بالسلاح والقلم والتظاهر ، وكل أشكال النضال المختلفة.
هناك من أدخلوا إلى بيوت الأشباح وعذبوا وتخوزقوا واغتصبوا وماتوا تحت التعذيب.
وهناك من قتل بالاعدام شنقا.. وهناك من قتل في ساحات المعارك..وهناك من قتل برصاصات الاغتيال.
إن كنا سنطبق معيار الاتجار بالنضال فمن باب أولى أن نأت بهؤلاء إن كانوا أحياء أو أسرهم وأهلهم إن كانوا موتى، لنشكل منهم مجلس وزراء ومجلس شعب (برلمان) ، ونعين منهم قضاة.
أليس هؤلاء أولى من أولئك الذين يكتبون جداولهم وهم خلف شاشات الآيفون والجلاكسي؟
معيار الدجاجة الحمراء هذا يصلح للفول وليس عندما نتحدث عن دولة...
فعندما نتحدث عن دولة فهناك تعقيدات كثيرة ؛ تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية تتطلب منا جميعا وضعها في الحسبان. أما فكرة التمكين النضالي فقد أفضت إلى فشل أعظم الثورات وهي الثورة الفرنسية ؛ التي انتهت كما ذهب أناتول فرانس في عمله الأدبي (الآلهة العطشى) إلى ارتفاع أسعار المقاصل في سوق الحدادين ليس إلا.
عندما نتحدث عن مستقبل دولة ؛ فنحن يجب أن نفكر بأدمغة العظماء كنيلسون مانديلا الذي رفض أن يكون دجاجة حمراء. ودعا إلى مصالحة جماهيرية عامة أفضت إلى تبريد الأنفاس الساخنة وتناسي المرارات والعمل من أجل مستقبل الأمة.
من منا لا يعلم أن الذين يتفاوضون لمنحهم مناصب الآن كان الأولى منهم (إن كانت قلوبهم على الوطن) أن يدعوا إلى مؤتمر جامع تشارك فيه كل القوى السياسية المدنية والمسلحة بمافيهم المجلس العسكري بل حتى الحركة الإسلامية التي سيمثل استبعادها خازوقا يدق في مسيرة التحول الديموقراطي. فكل انسان يشعر بأنه مهدد في وجوده لن يقف مكتوف الأيدي وسيدافع عن مصالحه بكل السبل. ونحن أيضا عندما هددنا النظام السابق في وجودنا قاومناه بكل السبل ، ولذلك هؤلاء الذين يشحذون سكين المقصلة واهمون كما وهم ذلك الفرنسيون قبل قرون.
والمجلس العسكري نفسه يعرف أن من واجبه الدعوة إلى مؤتمر جامع للتفاوض الجماعي وتقديم تنازلات كثيرة من أجل ضمان أمن ومستقبل الدولة.
والولايات المتحدة الأمريكية نفسها والتي تدبج اليوم قراراتها تعلم أن هذا الطريق لن يفضي إلا إلى الخراب وأن الأسلم هو الدعوة إلى مؤتمر جامع. وهذا ما فعلته أمريكا نفسها عندما قررت فصل الجنوب.. فضغطت على كل الأحزاب السياسية لتشارك النظام في البرلمان لتضمن أن هذه الأحزاب لن تأتي بعد ذلك وتطعن في اتفاقية نيفاشا أو تتنصل من نتيجة تقرير المصير بفصل الجنوب. ثم بعد أن نالت أمريكا ما نالت أرخت حبالها وتشتت الجمع من جديد.
لا سبيل إلا إلى أن يفهم الجميع أن حل هذا الاحتقان والتصعيد والتدويل الذي لا نعرف نتائجه إلا أمر واحد. وهو أن تتم الدعوة إلى مؤتمر جامع يسع كل الأطياف السياسية مدنية كانت أو مسلحة وكل منظمات المجتمع المدني وأن يتم الضغط على الحركة الإسلامية لتقبل بالشروط الثلاثة التالية:
أولا: الاعتذار للشعب السوداني عما اقترفته خلال الثلاثين عاما الماضية.
ثانيا: عدم المشاركة السياسية لمدة لا تقل عن ثمان سنوات (لأن الحظر الدائم غير دستوري).
ثالثا: تجنيب يدها عن المال العام.
وفي المقابل لن يتم أي تهديد لها خلال السنوات المقبلة.
لقد رفع العراقيون -منذ أول وهلة- شعار اجتثاث البعث ؛ وها هم حتى اليوم لم يجتثوا إلا أحلام أطفالهم البريئة.
وأخيرا أقول: إن الثورات التي تفقد روحها الوطنية تتحول إلى بزنيس. وسياسة الدجاجة الحمراء هي أكبر دليل على ذلك.

انت جدادة اكترون

أنا ما عارف ليه الناس دي مش عاوزة تفهم وتميز بين مرحلة التفاوض على إقامة السلطة الانتقالية التي تمهد للانتخابات ليه؟
المؤتمر الدستوري ومشاركة الجميع بما فيهم الفلول وأحزاب الفكة والأرزقية من حركات مسلحة أو كانت مسلحة وحتى الجن الأحمر ذاتو فليتفضل بإبداء رأيه وحشد حشده! ولكن كل هذا لا يحصل قبل كنس آثار الفلول واستعادة ثروة البلاد التي نهبوها. لا تحدثونا عما يجب ولا يجب عمله قبل تسليم السلطة الانتقالية ولكن اصبروا حتى تستلم السلطة الانتقالية.