وجب على المجلس العسكري أن يعلم أن زرع الخوف والرهبة في قلب شعبٍ كان قد كسر قيدهُ قبل أيامٍ معدودات دفع فيها الغالي والرخيص من أجل الإنعتاق ، لا يمكن أن يُثمر العودة إلى مربع الفزع والهروب إلى الخلف من جديد مهما كانت الأسباب والمبررات المنطقية ، ومن باب أولى فإن المبررات (الخزعبلاتية) لن تنطلي عليه وهو في خضم ولوجه المقدس إلى عالم الوعي المعرفي والوطني بمستحقاته ومطلوبات ثورته المجيدة ، إن المنطق الذي سيسود السودان منذ السادس من أبريل لهذا العام لن يكون سوى الإنحياز للحق المطلق والعدالة الناجزة والفضيلة التي لا تقبل التلكؤ ولا الترَّدُد والشك في القيَّم والمباديء والأخلاقيات السودانية الأصيلة والتي في مقدمتها حُرمة دماء السودانيين كيفما كانوا وأينما حلَّوا .
حين يتزرع المجلس العسكري بأن مذبحة فض إعتصام القيادة كانت مجرَّد عملية أمنية لردع المخالفين والمتفلتين في منطقة كولومبيا ، التي نشأت وقامت منذ عشرات السنين ولم يحلو للسلطات إخماد فوضاها إلا حين إعتصم شرفاء بلادي قربها لتحقيق مطالب ثورتهم المجيدة ، يصبح أمر إباحة السؤال المنطقي والذي لا ينحاز سوى لفضيلة الحق المُطلق يمكن طرحه كالآتي (هل يُجيز الدستور والعرف والقانون قتل المُخالفين والمتفلتين ميدانياً ولو وقعوا في الجرم المشهود ؟ ) ، بالطبع لا .. فالقانون في مواده المفصَّلة يحدِّد عقوبات التعدي على الملك العام والزنا وتعاطي الخمور والمخدرات وترويجها وبيعها ، وفي متونه الشرعية والوضعية لا مجال للحديث عن القتل والحُكم بالإعدام ميدانياً دون محاكمة عادلة وجرم مشهود ومعروضات وبيِّنات واضحة تُثبت على الأقل مقاومة رجال الشرطة ، نقول لهم وإن إقتصر القتل الميداني للمخالفين للقانون والمتفلتين في منطقة كلومبيا ، لن يكون هذا مبرئاً لذمة الذين قاموا بذلك فليس كل مُخالف للقانون مطيةً يمكن لكل حامل سلاح أن يحكم عليه بالإعدام .
ثم نقول أن الحفاظ على الأرواح (أولى) و(أحق) من ضبط المخالفات القانونية المُعتادة والروتينية ، وهذا هو المنطق العدلي الذي يُعبِّر عن روح القانون وإنحيازه لسلامة ومصلحة الإنسان ، فمن حيث مستوى (قيمة الخسارة) المجتمعية التي يعمل على تلافيها القانون ومباديء الأمن القومية لا يفوت على عاقل أن تجنب موت المواطن أكثر أهمية وله الأولوية على فرض السيطرة على منطقة كولومبيا ، هذا إذا كانت (الأجندة) الحقيقية هي بالفعل ذلك الإخلاص والتفاني غير المسبوق وغير المنطقي في إستعجاال فرض السيطرة على منطقة كولومبيا .
السودانيون اليوم هُم على يقين لا يقبل الشك أن دماءهم كانت ولم تزل رخيصة منذ إنقلاب الإنقاذ في 89 ، وهم ماضون بلا تردُّدد في طريق إستعادة حقهم في الحياة والكرامة وإجبار كل مُستبد على تقديس حُرمة دمائهم ، ليس لأجل وجهة سياسية ولا منطق آيدلوجي ولكن لأن ذلك ببساطة هو ما توارثوه من أجيال سابقة في مادة المُثل والأخلاقيات والقيَّم الإنسانية والدينية ، وعلى المجلس العسكري أن ينسى مؤقتاً موضوع إقتسام السلطة وإقامة الحكومة الإنتقالية ، فالهاجس الأول للشارع السوداني الآن هو مآلات مجذرة التاسع والعشرون من رمضان ، لا بد من معرفة أسبابها وأجنداتها الخفية والذين قاموا بإرتكابها ميدانياً والذين أمروا بتنفيذها ومن ثم لا مناص إلا الحساب والقصاص ، بغير ذلك لن يوضع كل شيء مكانه وما يُبنى على الباطل فليس له مآلٌ إلا الباطل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة