لماذا شيع عشرات الآلاف جنازة الترابي وأقل منه كثيرا نقد .. ولعن الملايين الأستاذ؟ بقلم د.أمل الكردف

لماذا شيع عشرات الآلاف جنازة الترابي وأقل منه كثيرا نقد .. ولعن الملايين الأستاذ؟ بقلم د.أمل الكردف


05-03-2019, 01:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1556885221&rn=1


Post: #1
Title: لماذا شيع عشرات الآلاف جنازة الترابي وأقل منه كثيرا نقد .. ولعن الملايين الأستاذ؟ بقلم د.أمل الكردف
Author: أمل الكردفاني
Date: 05-03-2019, 01:07 PM
Parent: #0

01:07 PM May, 03 2019

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر






ورد منشور تداولته الأسافير عن أن الأستاذ المرحوم نقد كان يصلي وهذا ما اعتبره كاتب المنشور دليلا حاسما على اخلاق نقد الرفيعة.
والحقيقة فهذا المنشور المتداول منشور يدل على بؤس عقلية من كتبه لأنه اولا اعتقد أن مجرد الصلاة تعني ان من يصلي ذو خلق. وهذا غير صحيح. لقد كان كبار الفلاسفة الملحدين أخلاقيين امثال برتراند راسل وشومسكي وكارل بوبر...الخ فلا علاقة للدين بالأخلاق. وقد جاء في الحديث الشريف: (إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق). فالأخلاق موجودة مسبقا. وما الدين الا ليتممها والتتميم ليس سد النقص فذلك هو الاكمال. انما التتميم او الإتمام فهو ترسيخ القيم وتقعيد أركانها.
جاء بالمنشور أن الناس كانت تترحم على نقد اكثر من الترابي وهذا قياس لا دليل عليه بل العكس الموثق أن عشرات الآلاف خرجوا في تشييع الترابي وأقل منه كثيرا كان تشييع نقد. ومع ذلك فليس ذلك دليلا على أخلاق هذا أو عدم أخلاق ذاك.
إن الوعي الجماهيري دائما قاصر جدا ؛ وهو وعي سطحي جدا ؛ فالترابي مهما كان يظل بالنسبة للعوام من الناس شيخ دين ومجددا للإسلام ومطبق الشريعة الإسلامية. رغم انه في الواقع بوظ الدين وشوه الإسلام. اما نقد ففي نظر العوام مجرد شيوعي كافر ولن يفهم العوام خلاف هذا ابدا ولو أنزلوا اليهم كتابا من السماء بعكسه.
لكن خطأ الجماهير لم يكن بسبب اعلام الكيزان وانما الخطأ هو خطا الشيوعيين انفسهم ؛ فهم كانوا أقصر قامة من أن يتعاملوا مع الماركسية بماديتها الجدلية كنظرية نسبية تقبل الأخذ والرد والصحة والخطأ وبالتالي النقد والتطوير بما يتواءم مع خصائص الدولة الاجتماعية والثقافية او كما عبر عن ذلك ماركس نفسه حين قال:(أنا لست ماركسيا).. لينفي اعتبار رؤاه حقيقة مطلقة كالدين. ظل الشيوعيون يعرجون فوق صرحهم العالي جدا مستنكفين النزول الى هؤلاء العوام ومخاطبتهم بما يفهمون ؛ لقد قال ماركس ان الطبقة الاجتماعية هي التي تحدد الوعي ، ومع ذلك فهذه الحكمة -محل النظر- لم يستفد منها الشيوعيون لتطوير الشيوعية كنظرية قادرة على النزول الى القاعدة الشعبية. ظل الشيوعيون ومعهم الاسلاميون خبراء في العمل التنظيمي بؤساء جدا في العمل التنظيري... وهكذا فلا طوروا أفكارهم ولا استطاعوا حتى التواؤم مع الشعب. ظلوا في ابراجهم العاجية يكتبون القصائد الحماسية ويستخدمون اللغة المقعرة المتعالية وصاروا طبقة برجوازية ثقافية تحتقر البروليتاريا الجاهلة. في حين ان مطربا واحدا كمحمود عبد العزيز أصبح أنصاره أكثر من أنصار الكيزان والشيوعيين مجتمعين على حد سواء لأنه نزل الى الجماهير.
تظل الجماهير البائسة متدنية السقف المعرفي والنقدي وتظل بحيرة صيد ثرية لمن يعرف كيف ينزل للقيعان الضحلة متاجرا بالدين او بالقيم الاخرى كالحرية والعدالة.
أما الاستاذ محمود محمد طه -وهو المجدد الحقيقي -بقياس معياري نسبي- فخالف مفاهيم العوام من الرجرجة والدهماء والسواد الأعظم .. وسار عكس القطيع كمن يسير اليوم عكس تجمع الوهميين ؛ وبالتالي استغلت القوى الخائفة على مصالحها الفرصة وألبت عليه الغوغاء .. وحينما تدلى جسده من حبل المشنقة ارتفع تهليل ملايين الغوغاء وتكبيرهم وهم يعتقدون أن لسان الشيطان قد قطع.
إن الشعوب ليست معيارا لأي شيء لا قلتهم ولا كثرتهم.. لا سكونهم ولا نفرتهم .. لا صياحهم ولا صمتهم ... إنهم دائما مغفلون نافعون للقوى التي تجاري ضوضاءهم وضجيجهم وضحالة أفقهم.