المرحلة مرحلة الشباب...... إن كنتم تعقلون بقلم د/ أوشيك آدم على

المرحلة مرحلة الشباب...... إن كنتم تعقلون بقلم د/ أوشيك آدم على


05-02-2019, 06:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1556818318&rn=0


Post: #1
Title: المرحلة مرحلة الشباب...... إن كنتم تعقلون بقلم د/ أوشيك آدم على
Author: أوشيك آدم علي
Date: 05-02-2019, 06:31 PM

06:31 PM May, 02 2019

سودانيز اون لاين
أوشيك آدم علي-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




من نفحات الطَّيِّب التي هبت علينا من ثنايا هذه الانتفاضة المباركة أنها أثبتت، وبلا أدنى شك، أن الشباب، بجنسيه، كان وقودا لهذه الثورة، وأثبتوا أنهم كانوا سيلا جارفا يقتلع من أمامه كل العقبات والمتاريس ليواصل فيضه المبارك لتحقيق غاياته المنشودة ، وأنا كنت شاهد عيان عندما كانت كلاب الأمن وقوات النظام البائد تصطاد شباب وشابات بري كال############ان في أزقة بري الضيقة، بل أنا كنت واحدا من الذين كُسِر باب منزله مع منازل جيراني في بري بحثا عن أبنائنا. عموما عندما شعر أهل الجهالة من الأنقاذيين بقوة هذا الحراك الجارف حاولوا الالتفاف عن مقاصد الثورة بتراجعهم عن بعض ما اتخذوه من قرارات مجحفة بحقهم من تضييق الأفق أمامهم، وسد منافذ تطلعاتهم، وأصبحوا يتحدثون عن توسيع مشاركة الشباب في العمل والترفيه. كما بدأوا يتحدثون عن أحتواء الموقف في الخرطوم، ولم يدري بخلدهم، ولقصر في إدراكهم، أن السودان ليس الخرطوم، اذ انتظمت جميع مدن السودان في انتفاضة عارمة لم يشهدها السودان من قبل.

لعل من نافلة التذكير أن نشير أن مصيبة السودان منذ استقلاله في عام 1956 وإلى يومنا هذا هي تلك الأحزاب التقليدية ونخبها المدمنة للفشل ( على رأي منصور خالد)، والتي كانت مسؤولة مسؤولية كاملة ومباشرة ما نحن فيه من دوامة بين حكومات مدنية لا ترى حتى تحت قدميها وعسكرية فاشلة ( تكنكش ) بمقاليد السلطة متى ما وصلت إليها حتى تُنتزع منها إنتزاعا. إن أراد السودان أن يحذو حذو دول العالم من حولنا عليه أن يكسر هذه الحلقة وهذه الدوامة المفرغة، وأن يبتدع اساليب حكم رشيد يرقى إلى مستوى العصر صونا لكرامة الإنسان واستغلالا أمثل لمواردنا الاقتصادية المتنوعة والمتجددة الكثيرة.

ومن فضل الله علينا أن تصدَّر شبابنا هذه المرحلة، وشباب هذه الثورة، ليسوا كسابقيهم في اكتوبر64 وأبريل 85 نخبة من طلاب الجامعات والمعاهد العليا، بل إنهم شباب جمع كل أطياف المجتمع السوداني، الطالب والعامل والمدرس والمزارع والمهني، فضلا عن انتماءآتهم الجهوية والقبلية، بل أن هذه الثورة الكاسحة، تمييزا عن انتفاضات السودان السابقة، أول ما بدأت كانت شرارتها الأولى من الهامش، من الدمازين وعطبرة والقضارف وبورتسودان ثم تواصل لهيبها إلي الخرطوم. وحيثما وجدوا وقف شبابنا وقفة رجل واحد ضد الظلم والقتل وإهانة كرامة الانسان. والحال هكذا فشباب هذه الانفاضة جديرون بقيادة هذه المرحلة، ولا سيما وهم وهبوا النفس رخيصة في إزاحة كابوس الإنقاذ الذي جثم على صدورأهل السودان لثلاثة عقود، بل كان يأمل في المزيد. هذه الروح الشبابية الوثابة التي قادت هذا الحراك العظيم تخطيطا وتنفيذا وتضحية وعبرت بشعب السودان إلى منافذ الحرية والانعتاق لن يغلبها إدارة دفة هذا الوطن المعطاء، إن وثقنا فيها وأعطيناها الفرصة.

ونقول لأحزابنا التقليدية عليها أن تتنحى تعاطي السياسة، ولو لبعض حين،إن لم يكن نهائيا، لسبب بسيط أنها لا تملك ما تمنحة لقيادة هذا الشعب العظيم، فهذا الشعب أكبر من مفاهيمهم البالية، وأجدر بقيادة أكثر رشدا ونضجا وأكثر وعيا وعلما، وإن هذه الأحزاب، بهيأتها الحالية، كانت المشكلة دائما فيما نحن فيه من فساد وإفساد، فلا يعقل الآن أن تكون حلا للمشكلة، ولا سيما في هذه المرحلة. عليهم أن يدركوا جيدا إنهم بعد اليوم لن يستطيعوا سوقنا كالأنعام كما كانوا يفعلون في الماضى "بكوامرهم المعمَّرة" وبشخوصهم المحنَّطة الكالحة. إن أرادوا أن يواكبوا المرحلة الجديدة عليهم أن يبدلِّوا أجسادهم، بل جوهرهم. عليهم أن يأتوا بقيادات شابة تضخ دماءً حارةً في مسيرة الحياة السياسية السودانية التواقة لمستقبل مشرق، كما عليهم أن يبدلوا برامجهم الحزبية المعتَّقة، ببرامج جديدة تستوعب ومستجدات العصر من علم وتقنية وخَلق وإبداع .

نحن لا نريد أن تتوقف حياتنا عند نقطة إسلام أو لا إسلام ، فالجميع مسلمون بالفطرة والحمد لله. ويعلم الداني والقاصي أن الشعب السوداني أكثر الشعوب تديُّنا وورعا. كما يعلم الجميع، بالضرورة، عمق التدين في الإنسان السوداني، ولا سيما هو شعور متراكم على مر الدهور، وأساسه تلك النزعة الصوفية التي كانت سببا في انتسار الاسلام في السودان. ولم يكن لهذه النزعة الصوفية أن يُكتب لها النجاح إن لم تُزاوج بين بساطة الإسلام كما نهلوه من شيوخهم الوافدين الأخيار، وبين معتقداتهم وموروثاتهم الافريقية من رقص وغناء وطبل. هذا ما نشاهده إلى يومنا في حلقات الذكر في جميع أنحاء السودان. ومن ثم فإن أهل السودان لم يعرفوا الغُلوَّ في دينهم ولا دنياهم، إلا بعد وفود ما سُميَّ بالإسلام السياسي أو السلفي الذي أصبح سيفا ماضيا لجز الرقاب، لدرجة انهم بدأوا يُكفِّرون حتى من نطق بالشهادة وشهدنا لهم بالخيروالصلاح ( نذكر على سبيل المثال تكفيرالشيخ البرعي من بعض السلفيين). هذه النزعة التدينية الموغلة في وجدان السودان لا يمكن نزعها بشعارات تُطلق هنا وهناك، كما لا أحد يستطيع فرض التدين بقوة القانون، أو بفقرة نصية في صفحات الدستور.

ما لا يعلمه غالبية أهل السودان إلا من عاشوا وسط " الخواجات" لبعض الوقت، أن التدين الاسلامي الحق مظهرا وجوهرا هو أكثر نقاءً وطُهراً وسط المجتمعات الغربية المسلمة التي ننعتها نحن بالكفر والالحاد ( فرنسا، بريطانيا، أمريكا.... الخ)، مقارنة بما يُمارسه بعضنا من مظاهر تديُّن لا تلامس جوهر الإنسان. كل رذائل السلوك الإنساني من استبداد، وكذب، قتل وسحل، واختلاس، وتدليس، وتغول على المال العام سفها وبدارا... ممارسات شائعة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والانقاذ كانت نموذحا ساطعا في سماء هذه الممارسة. والأدهى والأمر أن كل ذلك كان يُمارس بإسم الدين، والدين منه براء.

وعودٌ على بدءٍ مناداتنا للشباب لتصدُّر قيادة السودان في هذه المرحلة الحرجة، لن يكون بدعا من الأمر، فكل زعماء العالم الذين حولنا أعمارهم دون أو فوق الأربعين قليلا. ونذكر على سبيل المثال فرنسا، كندا، أثيوبيا. وأكثر ما أعجبي في إبي أحمد في أثيوبيا أن أغلب طاقمه الوزاري من الشباب من الجنسين، بل أن وزير الصحة عمره فقط ثمانية وعشرون عاما، ووزيرالدفاع والناطق الرسمي للحكومة من الشابات من الأقليات الأثيوبية. كل هذا يقودنا إلى مفهوم لا بد الاحاطة به وهو أن إدارة الدولة فن يحتاج إلى خلق وابتكار وتكاتف ومؤازرة، كما هو الحال في كرة القدم، وأن المنصب الوظيفي أوالسياسي ليس وحدة مستقلة بذاتها، حتى وإن كان قائد المسيرة شابٌ أو كهل، بل هوعمل توجهه وتتحكم في تنفيذه هيئات فنية واستشارية، وهو ما يُعرف بالمؤسسية، ويتقدم هذا الجهد أهل العلم والمعرفة والخبرة. والحال هكذا ليس ما يمنع، بل هناك ما يُلحُّ، أن يحتل شبابنا أرفع الوظائف الادارية والتنفيذية في سوداننا الجديد، ولا سيما ونحن فقدنا الأمل في قياداتنا القديمة. اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا.



28/4/ 2019
[email protected]