المثقف: يكذب من الشباك ثلاثاً! بقلم عبد الله علي إبراهيم

المثقف: يكذب من الشباك ثلاثاً! بقلم عبد الله علي إبراهيم


03-31-2019, 11:24 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1554027860&rn=1


Post: #1
Title: المثقف: يكذب من الشباك ثلاثاً! بقلم عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 03-31-2019, 11:24 AM
Parent: #0

11:24 AM March, 31 2019

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر




(عاد خبر افتراء جهاز الأمن والمخابرات على الأستاذ جعفر خضر إلى واجهة يوميات الثورة. قرأت عنه ما جرى خلال اعتقال أخير قصير في سجن القضارف. فقد وقفوا في سبيله وهو يسعى في دواوين الشرطة والنيابة لفتح بلاغ ضد منسوبي الجهاز ومنهم من تعود الاستيلاء على أشيائه بيده الخفيفة. ولما حفظوه في سجن القضارف منعوه من صلاة الجمعة التي حمله المساجين لأدائها في مسجد السجن بأريحية وحفاوة. واكتب في محبة جعفر عن ليلة قضيتها بقطيته الصالون في القضارف في 2010).

بت ليلة الخميس الماضي في "قطية" العزيز جعفر خضر بالقضارف. وجعفر من أميز من عرفت منذ عودتي للسودان. "يرمح" من فوق كرسيه المتحرك نحو تغيير مدينته بفدائية عجيبة وخيال طليق. فهذا المدرس "الكيري" مشغول الآن بكتابة ورقة عن أهداف التعليم لمؤتمر استراتيجية التعليم القادم. من سمع بهذا المؤتمر سمعاً يا أهل الرأي؟
على فنجان قهوة الصباح حكى لي جعفر عن قصة قرأها في مجلة "أكتوبر" منذ سنوات وعَلِقت بذهنه. والقصة عن جماعة بمصحة أقعدتهم صنوف الشلل فلزموا السرير. وكان بعنبرهم نافذة واحدة تطل على ميدان. وكان القعيد عند الشباك هو عينهم على عالم الميدان. فمن موقعه ذاك ظل ينقل لهم حركة الناس والأشياء. فتابع جمهوره السجين قصة نمو الحب بين ولد الجيران والبنت وحيلهما للتواصل في ظرف عصيب. وحدثهم عن الموظف بالمعاش الذي لم يتعود بعد على تسرب السلطة من بين يديه. وعن الحداد الذي يبقي مما صنع في يومه منضدة يحملها إلى الإنداية وينفق ثمنها تفريجاً للهم مع الرفاق. بل تابع أهل العنبر من خلال حكيه خلية لود أبرق الطائر الشهير بفسقه. بل صاروا يفرزون كل ذكر منها وكل أنثى وتدافعهما، وعينوا اسماً لكل منهم شغفاً بالحكاية.
ولم يسلم الراوي من الحسد من زميل له. فقد أراد جاره أن يكون حيث الشباك "معاين" منه للميدان مسرح الحكاوي. فدبر للتخلص منه حيلة. انتهز فرصة ما وأخفى عنه مسحوقاً منقذاً للحياة كان يتعاطاه ذلك الناظر من الشباك. وهاج الداء يومها على الناظر وبحث بيديه المحدودتين عن الدواء فلم يجده فأغمي عليه ومات. ولما أخلت إدارة المصحة سرير الراوي القديم احتل حاسده مكانه وغَنِم الشباك. ونظر للميدان من خلال الشباك فلم يجد لا ميداناً، ولا الصبي أو الصبية العاشقين، ولا الموظف المدروك، ولا قطيع ود أبرق الفاحش. لم يكن هناك أياً من مفردات الراوي القتيل. وانقطعت الرواية عن جمهورها الشغوف. فقاتل الراوي لم ير شيئاً.
قلت لجعفر هذه قصة عظيمة كأني كنت أبحث عنها. فقد كان رأيي دائماً أن المثقف في تعريف له هام هو كاذب كبير. قلت بذلك في وجه من قالوا إن نسبتنا للعباس أو جهينة موضوعة كاذبة. فقلت لهم هي بالفعل كذلك ولكن الهوية انتحال. فالنسابة الذين جعلوا الدينكا بعضاً من العباسيين أرادوا أن يجمعوا شعث الناس على صعيد واحد. وما غاب كذبهم على فطنتهم. فالتعارف هو شغل المثقف بين الشعوب والقبائل لتأمن وتستأمن. وفي كل تربية وترقية "إن ما غشوك ما ربوك". ومجدت الحجوة الكذب الإيجابي بقول اليتيم "حليل أمي الكضيضية" التي كانت تتوعده بالضرب وتمتنع لا كما تضربه زوجة والده ضرباً مبرحاً متى عزمت. وقد ابتلانا الله في الصفوة ب "مفتشين" لا مثقفين خرجوا لنزع الغطاء عن "الكذب". إنت عربي، روح بالله، وبتودي سجم دواك وشك دا وين؟ إنت مسلم! طيب بترسم الصليب فوق وش مولودك ليه؟ إنت نص ديانة. إنت عربي؟ إنت مستعرب؟ إنت مسلم؟ إنت مستسلم! وقس على ذلك. ولا حيلة في أمر الله.
وانتهزت أول منعطف من محاضرتي في ضحى يوم الجمعة بالقضارف عن كساد خيال الصفوة عندنا لأستل القصة التي رواها لي جعفر بصورة مقتضبة. وربما استغرب جعفر نفسه كيف توسعت في حكاية المعاين من الشباك على مثل ما رأيت أعلاه وأنا الذي سمعتها عنه منذ ساعة فقط. وكان هذا التفصيل وذاك مما اتفق لي. فأنا لم اقرأ القصة بعد. ولكن لمثل هذه القصة البديعة أسر يضطرك للكذب طمعاً في إمتاع الجلساء وتأليفهم بالمعاني الحسان.
هل من قرأ القصة المروية عن جعفر؟ أطلعنا عليها تكسب ثواباً.
(وجاءني من قرأ القصة بأصلها. وقال لي الصديق كمال الجزولي حين نشرتها والله يا عبد الله قصتك القطعتها من رأسك أجمل من الأصل. يا ترى كذب ليسرني؟ وأنشر القصة الأصلية غداً إن شاء الله)