Post: #1
Title: وخوذة لبلال !! بقلم صلاح الدين عووضة
Author: صلاح الدين عووضة
Date: 03-25-2019, 02:10 PM
02:10 PM March, 25 2019 سودانيز اون لاين صلاح الدين عووضة-الخرطوم-السودان مكتبتى رابط مختصر
> كان يأتينا ظهر كل يوم بالجريدة.. > يحمل في يده خوذة بيضاء يضعها على مائدة الاستقبال ثم يصيح (تشتروا وهم؟).. > وكنا نضحك... ويضحك هو... ثم يحمل (وهمه) ويرحل.. > وفي يوم خطر ببال أحدنا أن يسأله: ولماذا نشتري وهمك هذا ما دام وهماً باعترافك؟.. > فضحك من أعماقه ضحكةً ارتج لها جسده النحيل.. > ثم قال: ولماذا يشتري الناس وهمكم هذا الذي تكتبونه في جريدتكم كل يوم؟.. > ولما سكت عنه الضحك ارتسمت الجدية على ملامح وجهه..
> وواصل قائلاً: هذا الوهم من أجل أن تضمنوا لجريدتكم البقاء... يا (وهم).. > ولم ندر وقتها: أفيلسوف هو... أم مجنون؟.. > فإفادته الأولى تنم عن تفلسف ساخر... بينما الأخرى لا تُفهم إلا كمحض جنون.. > والفرق بين الفلسفة والجنون أصلاً كالذي بين الحياة والموت.. > هو فارق أرفع من الخيط؛ ولكن أغلب الناس لا يحسونه إزاء المثال الثاني.. > بل ومنهم من يتعامى عنه... ويمني النفس بوهم الخلود.. > وفي بلدتنا ــ قديماً ــ كانت هنالك امرأة اسمها خالدة... أسقطت الموت من حساباتها..
> وظنت أنها اسم على مسمى؛ خالدة... وسيُكتب لها الخلود.. > سيما وقد تجاوزت التسعين من العمر... ومازالت ترى ليل عمرها طفلاً يحبو.. > فلما حضرتها الوفاة ــ أخيراً ــ أنكرت... ولم تصدق.. > وظلت تنتهر ــ بنوبية واهنة ــ من أحاطوا بسريرها يترجونها ترديد الشهادة.. > وتقول ما ترجمته إلى العربية (أنا ما حصلت ده كلو).. > ومازالت كذلك ــ تنكر وتنهر ــ إلى أن فاضت روحها.... ولم تتشهد.. > و(الرأي الآخر) كانت تتعرض ــ آنذاك ــ إلى توقف مستمر.. > وكانت بحاجة فعلاً إلى ضمان البقاء... والخلود؛ ولكن ليس عن طريق الوهم.. > ليس عن طريق خوذة بيضاء... كالتي يعتمرها رجال المرور.. > وحان وقتٌ شعرنا فيه أن جريدتنا ــ الرأي الآخر ــ قد (حصَّلت ده كله)... وزيادة.. > وحدث فعلاً ما تخوفنا منه ؛ فلا رأي... ولا آخر.. > والعاقل من تعامل بواقعية مع سنن الوجود؛ فلا بقاء... ولا دوام... ولا خلود.. > لا النعمة تبقى... ولا الصحة... ولا العمر... ولا السلطة.. > ومن أهل السلطة هذه ــ تحديداً ــ من يتمنى أنْ لو يشتري ترياقاً ضد الزوال.. > وإن كان وهماً يخادع نفسه به ؛ مثل الخوذة البيضاء.. > ثم يطمئن إلى خلودٍ كالذي آمنت به خالدة...لا يُوصل أبداً لمرحلة (ده كلو).. > ويجنبه حالة الجذع عند فقدان الكرسي.. > بل هو جذعٌ قد لا يقل عن جذع حاجة خالدة... لحظة شعورها بفقدان الحياة.. > ويا عزيزي أحمد بلال: > تشتري (وهم) ؟!
alintibaha
|
|