الفِكْرُ سَيِّدُ المَوْقِفِ- بِقَلَمِ- عَلِيْ تَوْلِيْ

الفِكْرُ سَيِّدُ المَوْقِفِ- بِقَلَمِ- عَلِيْ تَوْلِيْ


02-19-2019, 05:16 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1550549788&rn=0


Post: #1
Title: الفِكْرُ سَيِّدُ المَوْقِفِ- بِقَلَمِ- عَلِيْ تَوْلِيْ
Author: علي تولي
Date: 02-19-2019, 05:16 AM

04:16 AM February, 18 2019

سودانيز اون لاين
علي تولي-USA
مكتبتى
رابط مختصر



الفكر سيد الموقف- بقلم- علي تولي

تختلفُ فلسفةُ الأشياءِ مِنْ شخصٍ إلَى آخر ومِن نَظريَّة إلى أُخرَى ومِنْ حِزبٍ إلى آخر، ويَكفي أن أسوقَ المُقولةَ الخلدونيَّةَ الَّتي تُجَسِّدُ واقِعاً بِعَيْنِهِ لِمُسْتَوَى التَّفكِير السَّائِدِ في بلادنا، وَلِيَقِسْ عَلَيهَا مَنْ أراد. يَقولُ ابنُ خلدون: (أوَّلُ العَمَلِ آخرُ الفِكْرَةِ، وَآخِرُ الفِكْرَةِ أوَّلُ العَمَلِ)، وتَكْمُنُ خَلْفَ هَذِهِ المَقولةِ الطَّرِيقةُ الَّتِي يَتَعَامَلُ مَعها العُقلاءُ مِمَّنْ يَسْعَوْنَ إلى بِنَاءِ حَاضِرِهِم ويَسْعَونَ إلى الاستمرارِ في عمليَّة التطويرِ التي لا يجبُ أنْ تَنْقطعَ وِفْقاً لِواقِعٍ مَحتومٍ في ازْديَادِ البَشريَّةِ ومُتَطَلَّبَاتِها، وتَكونُ الإجِابَةُ لِمَنْ يَتَسَاءَل عن تفسيرِ هذهِ المَقولة الخلدونيَّة؛ هيَ أنَّنَا إذا فَكَّرْنَا في صناعةِ ظِلٍّ نَسْتَظِلُّ بِه فإنَّ الظِّلَّ هُوَ آخِرُ الفِكرةِ حين يَكونُ الظِّلُّ فكرةَ مَنْ تُلْهِبهُ حَرَارةُ شمسِ الصَّيفِ مَثلاً فإنَّهُ سَيُفكِّرُ في أنَّ هذا الظلَّ عَرشٌ أو قُلْ سَقف مرفوعٌ على أعمِدةٍ أو جُدران، ويسبق هذا الجدران أسَاسٌ ويَسبقُ عَملَ الأسَاسِ حُفَرٌ تَقومُ عليْهَا هذِهِ الأَعمِدة، وبذا تتحقَّقُ المَقولةُ بِأنَّ أوَّل العملِ آخرُ الفكرة، ولكنَّ هذه النَّظريَّةِ وَجدَتْ تَقدِيراً واحتِرَاماً في العالم الغَربِيِّ تماماً؛ كيف؟! هيَ أنَّها كَفِكْرَةٍ كَفِيلة بأنْ تتقدَّمَ وتتأخَّرَ عنهَا الأشخاص، أمَّا عِنْدَنا فإنَّ الشَّخْصَنَةَ هِيَ أساسُ التَّوَاضُعِ علَى التَّفكِيرِ الإسْقَاطِي السُّلطَويِّ. ترَى مَا الأسَاسُ الذي بَنَى عليهِ الإخوانُ المسلمون أسَاسَهم، لِنَقُل إنَّنَا نَتَّفِقُ على أنَّهم رَفَعوا شِعاراتٍ كانَ أسَاسُها الأوَّل الجِهَاد، وأنَّهم يزعمون افتراضاً أنَّ هناكَ أعداءَ يَترَبَّصُون بالإسلام، فلا غَرُوَ أنَّ الإسْلامَ يَحْمِلُ عَقلاً لمن يتعقَّل، وَلَكنْ مَا هِيَ قَنَاعَاتُهُم أمام ما يبثونه من هذه الترهات والأوهام، ومَدى صِحَّةِ ما يَزعُمُون فِيما غَدا اليَومَ مَحْضَ اخْتِلاقٍ، لأنَّ القَناعَاتِ إنَّ كانْت بالفعل راسِخةً في أنَّهم سيَصْنَعُونَ لنَا مَجْداً مُؤثَّلاً فإنَّها كانت ستكون الأسس والدعائم، ولكن لم تكنْ هُنَالِكَ أخْلاقٌ وسُلوك يَحترِم الإسْلامَ ولا واقعَ الغِيرَةِ عليهِ مِن بابِ تَغْلِيبِ العقل، وتَمجِيدِ الفِكرة، وهذا دَيْدَنُ الشعوبِ والمذاهب والتي لا يُكتبُ لها التقدُّم والاستمراريَّة في النهوض بما لديها من الإبداع، لقد اسْتفادَ الغَربُ كثيراً من مثلِ هذه المَقولات النَّيِّرَةِ، حيث تَتَأَخَّرُ الشَّخْصِيَّةُ خَلفَ الفكرة، وتُصْبِحُ الفِكْرَةُ هِي القائدة والرائدة، أمَّا الشخصيَّةُ حينما تَتَجَاسَرُ على الفكرةِ فإنَّ الخيرَ والفوائدَ تختَفِي لطُغيَانِ الشَّخْصَنَةِ وانتفاءِ الفكرة، وتضيعُ القناعاتُ ويكثرُ الشَّكُّ، وتَنْبَهِمُ القضايا، وتَتَعدَّدُ الاشْكالياتُ التي يعجز دونَها كبارُ المصلحين والمصححين لأخطاءِ الأغبياءِ والمُتَنَطِّعِينَ، وكان مَحتُوماً على انهيار دولةِ المشروعِ الحضاريِّ المَزعومة- ذات الأساسِ الهلاميِّ والذي لم يكن يُسمَّى أساساً- حيث تقدَّمت الشخصياتُ على ما كانت تستقي هذه الشخصيات من تجاربَ فاشلةٍ لم يُكتب لها التَّحقيق في الوَاقع، وخير مثالٍ على ما كَشَفَ عنه تاريخُ حَرَكةِ الإخوان المسلمين في مصر التي هي أساسُ القداسَةِ الإخوانيَّة (الكيزانية) في طغيان الشَّخصيَّات المعروفة بينهم على أشتات لمقولات ومواقف لم تكن هي مُحفِّزاً عَقلياً يَستوجِب القناعاتِ المطلقة أو الجزئية والمؤقَّتة لتنفيذِ أجندة ما، بل يُمكننا القولُ إنَّ الفكرة التي نشأ عليها الْتِفَافُ هذِهِ الجماعاتِ تقوم في أساس الخِلافِ من أجْلِ الاخْتِلاف، وتَشِيع بينهم الأحقاد والنميمة والدسائس، حتى أن بعض أعضائهم الأساسيين لمْ يَسْلَمْ دَمُهُم مِن أيْديهم الملوثة بما يُمْلِيهِ عليهم غَبَشُهُم في الرُّؤَى القَاصِرَةِ وشُكُوكُهم البَغِيْضَة، فَسَحَلُوا مَنْ سَحَلُوا وقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا مِنْ أقَرَبِ الشَّخصياتِ الفاعلةِ في صُلب الحَرَكة، قَوْمٌ وَإِنْ كَانَ هذا صَنِيْعُهُم فمَا لنا نَنْدَهشُ كُلَّ هذِه الدَّهْشَةِ بما يَفعلونَه اليَومَ فِينا وفِي أبْنَائِنا وبَناتِنا فِي غِمَارِ هَذِهِ الثَّورَةِ التي زعزعتْ كَيَانهم وأفقدتهم كثيراً مِنَ الثقةِ التي كانوا يعوِّلونَ عليها بقاءَهُم فوق رُؤوسِنا عُقوداً من الزَّمان أكثرَ مِمَّا قَضَوا !!! وهم في سَكْرَتِهِم الَّتي تُمْلِي عليهم ما تُمْلِي من صُوَر وأشكال في مُقارَعَةِ هذا الشعب الثائر؛ فإنَّنا نرى زوَالَهم قد عَنَّ لنا وَشِيكاً للعَيان، وإنْ كانَ واقعُ الحِكمةِ مِنَ المَقولةِ (الفِكرة) التي أضحت نظريةً، هيَ أنَّهم عَكسُوها فكانت هَباءً وكانت خيالاً غيرَ واقع، فتقدَّمت الشخصياتُ، وبَعُدَتِ الشُّقَّةُ في أن قدَّمُوا المَصالِحَ على الشخصياتِ وهذا ليس من مُهلِكاتِ الفِكْرِ فحسب!! بل؛ ومن المُهْلِكَاتِ للأخضر واليابس، فكان ضياعُ مُقدَّراتِ الدَّولةِ ومهلكات مواردها الأساسية حيث أصبحَ الكثيرُ منها في عِدَادِ الذِّكرياتِ للأجيال المتقدِّمة وفي طيِّ النِسيان والعدم للأجيال التالية، وللشباب الحديث الحقُّ الكبيرُ في القيام بهذه الثورة لِما وَجَدهُ منَ الظلمِ الحقيقيِّ لهُ ولِحياتهِ ومستقبلِهِ، فهوَ حِرمانٌ لمْ يَعِشْهُ كثيرٌ من أبناءِ الشعوب التي نالَتْ في عُهودها القريبةِ المُنصرمة نوعاً من التحضُّرِ والنَمَاء والتعليم وَقُدِّرَ لِمُجتمَعِهَا أنْ يَتَوَسَّعَ على المَعارِفِ المختلفة، والانفتاح على ثقافة الأمم الأخرى، شعبٌ كَهَذا قُدِّرَ له أنْ يُبتلى بِحكمٍ يَشيعُ بَينَهُ أشْكَالاً مِنَ التَّخلُّفِ والتعامل الوَحْشي، وتنزيل القرارات المُتعسِّفة، والقوانين الجائرة التي تحِدُّ منْ حَركةِ الشَّعبِ وتَطلُّعاتِهِ، بل سَعى النظام في غُلُوِّهِ أنِ انْتَزَعَ المِهَنَ والوَظائِف بلْ والملاحقة الأمنيِّة والتعذيب في المُعتقلات التي ابْتَدَعَها كَبيوتِ الأشباح وأشكال التعذيب المستجلبَة والتي ما زلنا نرى منها كلَّ يومٍ لوناً جديداً لم نسمع به من قبلُ، حتَّى عندَ أكبر الدكتاتوريَّات ظلماً، وقد عمَّتِ الفاقةُ والفقرُ الحقيقيُّ لهذا الشَّعبِ بالتسريحِ من الخدمة المدنيَّة فأصبحَ الكثيرون يهيمُونَ على وجوهِ الفاقَةِ والعوز، مِمَّا حَدَا بنسبٍ كبيرةٍ من هذا الشَّعب جَرَّاءَ العَزْلِ والتَّضْييقِ للنزوح إلى بُلدان أخرى مُهاجرينَ بِعِزَّتِهِم وكرامَتِهم من أجلِ العَيشِ بسلامٍ. وعَزاؤُنا في مقولة ابنِ خلدون: (أوَّلُ الفِكْرَةِ آخِرُ العَمَلِ) أنْ تكونَ دَيْدَنُنا ونَهجُنا في ظلِّ التغيير والسَّلام القَادم بالدِّيمقراطيَّة المنشودةِ، بأنْ تتقدَّم الأفكارُ وألَّا يُسمَح لأيِّ شخصٍ أنْ يتقدَّم على الفكرة في شخصنة ذاته؛ وإنْ كانَ هوَ صاحبُها حتَّى لا تتبدَّد جهودُ الخَلْقِ الإنسانِي والإبدَاعِ الحقيقيِّ في تطويرِ حياةِ الأمَّةِ السودانيَّةِ، وحتَّى يَحترِمَ العامل ُوالموظف مَوقعَهُ من المجتمع، ويكونَ الرئيسُ موظفاً ليسَ إلا، وتكونَ الأفكارُ سيدةَ المَوقِفِ.