اشكان .. مدينة محمود صالح شينكو بقلم عواطف عبداللطيف

اشكان .. مدينة محمود صالح شينكو بقلم عواطف عبداللطيف


12-16-2018, 04:30 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1544974254&rn=0


Post: #1
Title: اشكان .. مدينة محمود صالح شينكو بقلم عواطف عبداللطيف
Author: عواطف عبداللطيف
Date: 12-16-2018, 04:30 PM

03:30 PM December, 16 2018

سودانيز اون لاين
عواطف عبداللطيف-
مكتبتى
رابط مختصر



قبل سنوات اصدرت كتابي الاول ( احب عطر امي ) بمقال افتتاحي ( كوستي يا مدينة الجمال ) يا ايتها المدينة الحالمة .. الملتحفة بثوب الخضرةالعشبية العطرة ايتها الطفولة الممتدة بين احضان مياه النهر ايتها العذراء الممسكة بكلتا يديها المخضبتين بالحناءعلي عفتها ....فتلقيت اتصالا هاتفيا من القانوني المخضرم الدكتور مصعب الهادي بابكر قال لي لا اذكر في الزمن القريب انني بكيت لكن مقالك اسال دموعي وكان يحكي عن مدينته شندي لاكتب مقالي الثاني ( مدننا وايامنا) ابتدرته للاخرين مدنهم الجميلة تستطيع ان تفك قيود دموعهم التي حسبوا انها تحجرت فما اجمل ان نسترجع ذكريات الطفولة لنسمع ضجيج ارجلنا التي كانت تركض وسط الحواري وما اذكى رايحة تراب الارض وضربات عصى النيم واغصان النخيل او حبات سبحة عتيقة تاكلت اطرافها ترمي بمحبة علي اكتافنا وظهورنا ...وما اجمل حروف الهجاء ونحن نتقنها ناطقة بالمحبة
وحينما وصلني كتاب اشكان سيرة ذاتية لمولفه البروفسير محمود صالح حسن شينكو كبير خبراء البساتين والارشاد الزراعي بمنظمة الاغذية والزراعة الدولية وخبير دراسات الجدوي الفنية والاقتصادية في كثير من دول العالم لم استطع ان اضعه جانبا حتى التهمته من الغلاف للغلاف حتى وانا بين ازقة ارفف المطبخ ومطباته لان الحممية الطاغية التي استذكر بها تفاصيل طفولته مدهشة حقا وممتعة وهو يتمرق ما بين شجيرات اللبخ واغصان اللوبيا والبسلة او هو يسترق السمع لحكايات الخالات والعمات وبين الفين والاخري يتحفنا بعبارات نوبية من احاجي حبوبته خديجة عثمان ( كمية كمن جورتي ) ورغم انه عنون الكتاب كسيرة ذاتية الا انه وثق لقريته وتفاصيل حكاياتها وانسابها ولعمدتها ودبيب حيواناتها الاليفة ككلبتهم كومية وايضا الثعالب بمكرها وشخوص حلفا دغيم المخضبين بالقيم الانسانية النبيلة وما ان تختم الكتاب الا وتجد انك كنت جلوسا بينهم اما تتدفى باطراف ثوب جرجار جدتك في صقيع وبردها او هجير صيفها او انت تتقافز هنا وهناك او تمتهن لعبة سجك او تمتطيء سطح الماء سباحا ماهرا ويتحسر محمود علي قريته اشكان ووادي حلفا التي ازيلت من علي الارض في عام ١٩٦٤ ببناء السد العالي الذي غمر المنطقة بنيلها ونخيلها ورطانتها وجرحارها ومراكبها الشراعية ومدارسها ببحيرة النوبة الوجع لسلالة النوبيين الاول منذ عصر ما قبل التاريخ و الاسر الفرعونية عام ٥٠٠٠ الى ٣٠٠٠ قبل الميلاد التي هي من الجنس الحامي القوقازي
يسجل بروف محمود من ذاكرته النضرة نضارة قلبه المفعم بالحيوية اسماء من لعب معهم في سن الطفولة ومن جالسهم في كراسي الدرس بوادي سيدنا ولا يغفل تطور قريته ابان الحرب العالمية الثانية ودخول شبابها في خدمة الجيش كطباخين وسايقين وعمال الخ. واوقفني كثيرا كيف ان انسان ذلك الزمان يرسم حتى للدخلاء مسارات احتشامهم يقول ان اثنين من البريطانيين ذهبا شمالا من الطابية منتصف النهار بلباس السباحة المايوه مرورا علي دونكي عم عابدين وعادا للقاعدة ونساء القرية في الجروف لحصاد الاعلاف وغسل الهدوم وملا صفايح الماء فالنساء كنا موقد للحيوية والحياة وحينما روا ذلك هربن متخفيات وراء الاشجار فعلم ابوه المزارع صالح اشكناني بالواقعة فذهب فورا الي المستر بن مفتش المركز الذي اخذه بسيارته حتى وصلوا للقاعدة وتحدث الى العساكر لخطا وخطورة ما قام به الجنديان محذرا لهم من فعل ذلك مرة اخرى واقاموا حاجزا من الحديد حتى لا يذهب احد لمناطق عمل نساء القرية
وبرغم ان شينكو المولود في ١٩٣٨ كتب حروف مولفه الاولي بمدينة سياتل بولاية واشنطن الامريكية ٢٠٠٨ رغم انه كان هاجسه منذ ١٩٥٥ لكنه كتبه بذاكرة نضرة لم تغفل الاسماء حتى الحد الرابع احيانا ولا الالقاب ومفردات اللغة النوبية ماكلهم ومشربهم ونكات وقهقهات وصرامة وجدية رجالاتها ومواقفهم الاخلاقية ليختم الكتاب الذي قدم له الفاضل عوض محمد حسن والذي يقع في ١٩٨ صفحة بملاحق وخرط دقيقه حوت اسماء قرى ومدن وحلال ولشجرة العايلة وزملاء الدراسة وموقد الطبيخ والشاي ولمسارات تلك الدروب المحفورة في ذاكرة رجل قامة انسانية رحل لكثير من مدن العالم لكنه ما زال مشحون بقريته ترابها وفضايلها عرفته عن قرب حينما حضر خصيصا لجامعة قراندفالي بمدينة متشجان الامريكية متابطا شمسيته ليشاركنا فرحة تخرج بنيتي من الجامعة وظل واسرته الكريمة وزوجته ليلي عبدالحميد ماهر اسكنها الله الفردوس الاعلي بجوارنا وبمعيتهم كرما اصيلا نابعا من تلك الجذور الموغلة بين طيات اشكان التي يكتبها بحب ومودة ويمارسها واسرته في تفاصيل حياته اليومية
وانا امتع نفسي بهذا الكتاب التوثيقي النادر الذي نفذته دار مدارك للطباعة والنشر بغلاف مزدان بمبني نوبي تراثي بنقوشه البديعة ولونه الترابي الصحراوي لتلك الامكنة التي انجبت رجلا دخل بوابة التعليم وهو لا يتقن غير النوبية فيتعلم العربية فيدخل لبوابة مدرسة وادي سيدنا فيتقن الانجليزية ويعيش بين مدن الولايات المتحدة الامريكية بقيم اهله وما رضعه من ثدي امه نفيسة فيرفد المكتبة السودانية والعالمية بكتاب هو نورا ومتعة والق ونحن في انتظار الجزء الثاني لان كلنا لنا مدننا وايامنا تماما كما للدكتور مصعب مدينة شندي مسقط راسه ولي كوستي مدينة الجمال حينما كنت اكتب ترانيم للوطن الذي نريده باسقا يحوي همومنا وامالنا وطموحاتنا وكل محبتنا .
عواطف عبداللطيف
اعلامية وناشطة اجتماعية مقيمة بقطر
[email protected]