بعد الموت: حرق أم دفن؟ بقلم د.أمل الكردفاني

بعد الموت: حرق أم دفن؟ بقلم د.أمل الكردفاني


08-28-2018, 11:12 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1535494343&rn=0


Post: #1
Title: بعد الموت: حرق أم دفن؟ بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 08-28-2018, 11:12 PM

11:12 PM August, 28 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





عندما تموت: هل تفضل حرق جثتك أم دفنك؟
اجاب ستة اشخاص على سؤالي هذا بالدفن واربعة بالحرق وتردد الباقون في حسم الاجابة.
هذا السؤال يعطينا امكانية تفكيك سيكولوجية الانسان تجاه الموت ؛ فرفض الغالبية للحرق هو انعكاس لشعور الانسان بألم النار في الحياة ؛ ربما فكرة ان الموت ينهي كل قدرة الانسان على الشعور لم ترسخ بعض. عندما تم التمثيل بجثة عبد الله بن الزبير مرت أمه على جثته وقالت: وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها. وقيل بأن عبد الله سألها: اخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني . فقالت له ذلك. وهذا يعني أن اسماء كانت تملك استقرارا مفهوميا تجاه علاقة الموت بالانسان ، باعتبار الأول هو قطع بين الانسان والوعي.
وقد جاء في القرآن مثل ذلك: (إنك لا تسمع الموتى) 80- النمل. (وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمغ من في القبور) 22-فاطر. والسمع من جواهر الحس الانساني ، مع ذلك فهناك من يدحضون ذلك بمافيهم وأسانيد دينية أخرى كعذاب القبر.
على أية حال فسؤالنا هنا نفسي وليس من باب شرعي ؛ ومن أجابوا عليه كانوا يفهمون ذلك ، والنقاش دار حول لماذا تفضل الحرق أو الدفن. والواضح كما أسلفت أن فكرة الإيلام تلقي بظلالها على العقل الحي ، رغم أن سبيل جثة الانسان إلى التحلل والذوار ، سواء بحرق ام بدفن أم حتى بغرق في بحر فتأكلها أسماك القرش قطعة قطعة.
▪حرق الموتى هو طقس ديني عند بعض طوائف الهندوس ويسمى عندهم بالانتيستي antyesti وهي كلمة مركبة من مقطعين antya و isti والتي تعني التضحية الأخيرة ، ولها فلسفتها في هذه الديانة ، فالانسان وسائر المخلوقات ليسوا سوى انعكاس للكون وعند الحرق تعود جثة الانسان الى عناصر هذا الكون الخمسة الماء والهواء والنار والتراب والفضاء وهي فلسفة اقرب الى نظرية وحدة الوجود التي لا زال لها انصارها من قبل ابن عربي ومن بعده وحتى اليوم.
في عام 1902 اصدر برلمان المملكة المتحدة قانون حرق الجثث cermation act والذي حظر فيه حرق الجثث في الهواء الطلق ؛ إلا انه ونتيجة دعوى قضائية رفعها أحد الهندوس قضت المحكمة العليا في عام 2007 بتفسير أوسع للقانون حيث يجوز حرق الجثث في الهواء الطلق ولكن في موقع محدد ومصرح به.
كذلك يتم حرق الجثث في الصين ولكن ليس كطقس ديني مفروض وواجب وانما هو خيار مع الدفن. وبالتأكيد فإن السلطات الصينية تفضل الحرق سواء لدواع بيئية أو -وهو الأهم- عدم استهلاك مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للسكن او الزراعة لشعب تجاوز المليار نسمة ؛ فالحرق يعتبر حلا ناجحا للدول التي تعاني من ازدحام سكاني ، ففي مصر مثلا (القاهرة والجيزة على وجه الخصوص) لا يتم دفن الجثث بالطريقة الشرعية وفقا لأحكام الاسلام ، إنما يتم وضع الجثث في غرف تحت الأرض حتى تتحمل المقابر الضيقة الملايين من الموتى عبر العقود والسنين. وإذا كان هذا الأسلوب لا يتفق مع الدفن الشرعي إلا أنني متأكد من أنه لو جرى استفتاء الشعب المصري بين الحرق والدفن بهذه الطريقة فسيختار الدفن تأثرا بالتعاليم الدينية التي تجعل إكرام الميت في دفنه ، فهذه المقولة -التي لا سند لها في السنة- بالإضافة الى الممارسة الطويلة خلقت لطيفة من لطائف الدفن والموت ، وشعورا لدى أهل المتوفى بأن الميت لا يزال يملك شعورا ولو بشكل عير مفهوم ولا مثبت علميا يجعله أكثر ارتياحا للدفن. نلاحظ أيضا أن الطقوس الدينية في الكثير من الأديان السماوية وغير السماوية تتعامل مع الجثة تعامل الأحياء ، فالهندوس مثلا يطهرون الجثة ويغسلونها ويعطرونها ، وكذا الحال في الإسلام ، هذا رغم أن مآل الجثة الى الفساد محتم. فلا فائدة ترجى من الغسل والحنوط والطهور بالكافور وغيره. غير أن في الأمر جانب روحاني هام وهو شعور أهل الميت بعدم انقطاع ميتهم عن الحياة مطلقا ؛ ونوع من الرمزية التي تشير إلى التعاطف والتوقير ، وهي فوق هذا نوع من التعبد يحصل به الأجر والثواب.
▪ من ناحية بيئية ؛ يقول بعض العلماء ان الحرق ليس افضل بكثير من الدفن ؛ فعملية الحرق تطلق مواد كيميائية ضارة بالغلاف الجوي بما في ذلك ثاني أوكسيد الكربون والسخام الناعم ، وانبعاثات الزئبق من حشوات الأسنان...الخ. وعلى النقيض من الدفن الطبيعي للجثة حيث تتحلل هذه الأخيرة لتمتزج بالتربة فإن الحرق لا يغذي الأرض بأي فائدة.
ولذلك اقترح البعض من أنصار البيئة طرقا أفضل للدفن كربط الجثة بكرة خرسانية والقائها في البحر لتغوص الى الاعماق فتعمل على تغذية الشعاب المرجانية.
لكن في كل الأحوال يبقى تساؤل أسماء رضي الله عنها:
(ما ضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟).