الشخصية اللا قانونية.... بقلم د.أمل الكردفاني

الشخصية اللا قانونية.... بقلم د.أمل الكردفاني


08-23-2018, 03:09 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1535033349&rn=0


Post: #1
Title: الشخصية اللا قانونية.... بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 08-23-2018, 03:09 PM

03:09 PM August, 23 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر






ربما يبدو للكثير من الناس أن القانون هو أسمى ما وصلت اليه الانسانية ؛ حيث استطاعت أن تضع ضوابط تنظم اغلب التفاعلات والعلاقات بين الافراد وبعضهم وبين اجهزة السلطة وبعضها وبين الأفراد والسلطة. يقول لك الكثير من المثاليين عند اي مشكلة:(فلندع القانون يأخذ مجراه)... ويقول آخر سآخذ حقي بالقانون.... لكن في الحقيقة قد يكون تقديرنا لقيمة القانون مبالغ فيها. بل قد تكون تربيتنا وترعرعنا على احترام القانون هو أول ما يدمرنا ويسلب حقوقنا كبشر. وسأعطي مثالا على ذلك ، وهو شاب فلسطيني التقيت به البارحة من فلسطينيي سوريا. فلسطينيو سوريا ولدوا وترعرعوا في سوريا كغيرهم ممن هم بلبنان والاردن ، وتطبيقا لاتفاقات الجامعة العربية لا يتم منحهم جنسيات الدول التي بها انما يتم منحهم وثيقة فقط. الاشكالية تتضح عندما يحاول هؤلاء الهجرة الى دول أخرى غير عربية حيث يعانوا من رفض مستمر لكافة طلبات الهجرة لعدم معرفة طبيعة مركزهم القانوني ؛ فلا هم سوريون ولا هم فلسطينيون يحملون وثائق من السلطة الفلسطينية. هذا الأمر ليس استثناء من واقع العديد من الجماعات البشرية الأخرى ، فالبدون في الكويت والروهينقا في الميانمار يعانون من ذات هذه المشكلة. بل هناك من لا يحملون اي جنسية بسبب عدم انطباق القانون عليهم. ومثال ذلك ان يولد شخص في بلد جنسية الأم التي لا تمنح الجنسية لابناء الأم في حين ان بلد الأب لا تمنح الجنسية لمن يولد خارجها ... واقرب مثال واقعي هو ما حدث لبعض من الجنوبيين في السودان الشمالي حينما اصدر النظام الحاكم قانونا بسحب الجنسية ممن يعتبرون جنوبيين ولو حكما ؛ كمن يولد لأحد ابوين من جنوب السودان ، في حين لم تنطبق شروط جنسية الجنوب عليه او لم يكن قادرا على العودة ؛ فضلا عن اولئك الجنوبيين الذين يقطنون في مناطق حدودية متنازع عليها بين الدولتين. قبل سنوات قررت التخلي عن الجنسية السودانية ؛ في الواقع لم أجد فيها اي فائدة ، واعتراضا على انتهاك حقوقي الدستورية ؛ وقبل ان اخطوا هذه الخطوة قررت الاطلاع على الاتفاقيات الدولية بشأن عديمي الجنسية ؛ ولقد هالني ما قرأت. فالمجتمع الدولي تعامل مع عديمي الجنسية معاملة قاسية جدا.... للأسف لم يتمكن المجتمع الدولي من الاتفاق على حلول حاسمة لمشكلة عديمي الجنسية ؛ فكل الدول ظلت تخشى على مكوناتها الاجتماعية ، وكل الدول في نفس الوقت لا تعترف الا بوثائق صادرة عن دولة يتمتع الشخص بجنسيتها. هناك بعض دول الخليج قامت بسحب الجنسية من مواطنيها رغم أن هذا غير دستوري ؛ ولا يتفق مع الاتفاقيات الدولية التي تمنع وضع شخص موضع انعدام الجنسية ؛ وهناك دول بها قوانين تسمح بسحب الجنسية من المواطن لمجرد انتمائه الفكري ؛ فإلى وقت قريب كانت الدعوة الى الصهيونية او تبنيها تؤدي الى سحب الجنسية من الشخص في بعض الدول العربية. كما ان هناك دول تجيز قوانينها سحب الجنسية ممن يقترف بعض الجرائم وخاصة السياسية. وهكذا يقع البشر في مشكلة انعدام الجنسية ، وهي ليست مشكلة بسيطة ؛ فبانعدام جنسيتك لن تحصل على اي حقوق لا سياسية ولا اقتصادية ، ولا حتى بحماية كافية من الانتهاك السلطوي ضد آدميتك. وهكذا وكما نقول بالدراجي (جليت) فكرة التخلي عن الجنسية السودانية ؛ فهما كان الأمر فأن تكون شخصا معترف بك قانونا أفضل من أن تكون نبتة مزروعة في صحراء التيه الموسوي.
المهم وعودا إلى موضوعنا الاساسي وهو مشكلة هذا الفلسطيني وغيره من عديمي الجنسية (القانونية وليست الطبيعية المعتمدة على عرق او جنس معين).. ، فقد لاحظت أن هناك شخصيات عديدة في هذا العالم لا تحترم القوانين ولكنها تملك حقوقا أكثر ممن يحترمون القانون. على سبيل المثال ؛ عندما غدرت الحركة الاسلامية في السودان بكارلوس وتم اعتقاله وجدت عشرات الجوازات المزورة في حقيبته بشخصيات واسماء واشكال مستعارة كثيرة . النصابون الدوليون يستطيعون الدخول الى اي دولة في العالم بجوازات مزورة ؛ هي ليست مزورة في الواقع ولكن غالبا ما يتم خلقها بتقديم رشاوي لتتطابق مع الجوازات الرسمية مع عدم ادخالها في قاعدة البيانات الرسمية... هناك دول يسهل فيها تزوير كل شيء ابتداء من الشهادات العلمية والجوازات وحتى شهادات الوفاة ، والغريب ان كل من يمتلك تلك الشخصية اللا قانونية يستطيع الحصول على مكاسب كبيرة من انتهاكه القانون. هناك من يعملون في جامعات بشهادات مزورة ، وهناك من يتقلدون مناصب دستورية بشهادات مزورة ، وهناك من يحصلون على جنسيات دول أخرى بوثائق مزورة ....الخ. المسألة كلها تتعلق بسيكولوجية الانسان ؛ فنحن الذين ترعرعنا على فكرة الخضوع المطلق للقانون نعاني الأمرين من انتهاك حقوقنا وذلك عكس ما كان يجب ان يكون. يستطيع ارهابي أن يتنقل بين دول العالم بوثائق مزورة بل ويقود طائرة ويفجرها في اي مكان. يستطيع نصاب دولي أن ينصب على حكومات كاملة بوثائق مزورة ؛ ثم يختفي كفص ملح في ماء. يبدو الاشخاص المجازفون والأقل اهتماما بالضوابط القانونية هم الأكثر حظا في الحياة. فالملاحظ مثلا أن اغلب رؤساء الدول الافريقية وصلوا الى السلطة عبر انتهاك الدستور او القانون العسكري أو القانون الجنائي او كل ذلك معا. فجريمة محاولة قلب نظام الحكم (هي وجريمة الشروع في الانتحار) لا يتم المعاقبة عليها اذا نجحت الجريمة ... انما يعاقب عليها إن لم تكتمل فقط. بل ان من ينتهك القانون يحصل على سلطة اعدام اي شخص آخر يقوم بذات جريمته هو. وهذا من سخرية الحياة.
إن اتباع القانون ليس دائما يحميك بل في حالات كثيرة قد يعطل طموحاتك او يصادر على حقوقك....في السودان مثلا لا يطبق القانون الا على من لا سند له... في كل الدولة تستطيع ان تنتهك القانون لتتجاوز صفوف الملتزمين بضوابط القانون. وكذلك الحال في الكثير من الدول بل وهو نفس الوضع بالنسبة لصراعات المجتمع الدولي ؛ حيث تصبح صواريخك التي تطلقها على الآخرين شرعية وصواريخ الآخرين التي يطلقونها عليك دفاعا عن أنفسهم جريمة لا تغتفر.
هل فهمتم ما أقصد؟