أوسكار ..!! بقلم اعبدالباقي الظافر

أوسكار ..!! بقلم اعبدالباقي الظافر


06-30-2018, 02:52 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1530366750&rn=0


Post: #1
Title: أوسكار ..!! بقلم اعبدالباقي الظافر
Author: عبدالباقي الظافر
Date: 06-30-2018, 02:52 PM

02:52 PM June, 30 2018

سودانيز اون لاين
عبدالباقي الظافر-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر


لفت نظري أن الشارع الأخضر كان هادئاً تكاد تنعدم فيه الحركة.. ليس هنالك ما يميز هذه الناحية غير منزل رجل الأعمال جمال الملك.. بالإضافة لحركة بناء نشطة في الأجزاء الشمالية من ذات الحي الراقي.. كنت مندفعاً لمقابلة مهندس شاب حددت معه موعداً مسبقاً.. قبل أن أستقر جيداً في الشارع الأخضر الممتلئ بأشجار الزينة وبعض النخيل.

انتبهت لحركة زحام كثيف تتحلق حول دائرة ضيقة.. كان من الصعب عليّ أن أعبر دون أن أتوقف قليلاً.

كانت هنالك سيدة تنتحب بشدة.. يرتفع صوت بكائها من وقت لآخر.. تخفي وجهها ببعض من أجزاء ثوبها الأسود.. ترجلت من سيارتي الفارهة.. أفسح لي الحضور المجال.. لم تكن السيدة في حاجة لأن تبيح.. ربما لأنها تعتقد أن الجمهور سيتسلى بقصتها ثم ينصرف.. اقتربت من مجلسها الوقور.. ببعض الاحترام غطّت قدميها اللتين ازدانتا برسوم حناء مع آثار واضحة لدخان الطلح الذي أحال الساقين إلى اللون البني.. رفضت أن تفصح.. حينما شعرت بإصراري الشديد طلبت مني أن أصرف الحضور من باب ستر الحال.

ذهب الناس بعيدًا بالدرجة التي لا تجعلهم يسمعون الهمس.. أرخت السيدة من الستار الذي يغطي أسفل وجهها.. مسحت بأطراف الثوب الدموع المنهمرة بشدة.. قبل أن تسرد قصتها سألتني إن كنت أعرف جمال الملك.. جاءت إجابتي بسرعة "لا ولكن اسمع عنه أنه رجل خير " .. من شنطة سوداء بالية أخرجت السيدة الأربعينية حزمة من الأوراق.. مدتها لي بكل رفق.. لم يكن لي من الوقت لقراءتها.. كنت متلهفاً لأسمع القصة ثم أنصرف.

بعد أن مسحت الدموع أو ربما جف الإمداد بدأت تروي قصتها.. أنا من جنوب الجزيرة أعمل فراشة في مدرسة وزوجي عامل يومية في مصنع النسيج..تم قبول ابنتي في كلية الطب بالجامعة..ساعدنا الأهل في العام الأول في دفع الرسوم .. جاءنا العام الجديد لم يتعاطف الناس معي.. زوجي الآن مريض في مشفى .. أخبروني أن بالخرطوم رجلاً يساعد الناس.. صليت الصبح .. وقفت على قارعة الطريق حتى وصلت الخرطوم.. لم يسمح لي الحراس بالدخول للمنزل.. لم أدعها تكمل الفصول.

هرعت إلى عربتي وضعت كل المبلغ في ظرف أنيق.. لملمت السيدة أطرافها طلبت مني أن أحرسها حتى تغادر المكان على صهوة (ركشة).. كانت تخاف من أولاد الحرام.. انتظرت حتى غادرت المكان.. شعرت براحة أعقبها تعذيب ضمير حاد.. نحن نعيش في عالمين..عالم يملك كل حاجة وآخر يعيش على خشاش الأرض.

حينما عدتُ لراحلتي وجدت أن الهاتف كان قد رن أكثر من مرة.. فاتت مواعيد المهندس..عدتُ للمتجر الذي أملكه في شارع الـ( 60) .. لم يغب عني منظر تلك السيدة البائسة.. بعد أسبوعين كنتُ أتجول مع سمسار في حي كافوري باحثًا عن قطعة أرض تحفظ في جوفها بعضاً من السيولة الفائضة .. في الشارع المؤدي لمسجد النور تكرر ذات المشهد.. حينما توقفت وجدتُ ذات المرأة.. الثوب الأسود بات ثوباً أبيض.

أخذت معي السمسار الذي كان مستغرباً من اهتمامي..كانت السيدة تروي قصة أخرى مثيرة.. تحمل بين يديها شهادة وفاة زوجها.. كانت التفاصيل مختلفة.. اضطرت أن تخرج من بيتها الكائن في الدروشاب قبل أن تكمل عدتها الشرعية لأن مالك البيت المؤجر طردها بسبب عدم الإيفاء بالإيجار.. أقنعت دموعها المدرارة صديقي السمسار فأدخل يده في جيبه.. سحبت صديقي من المسرح.. هذه السيدة تستحق جائزة الأوسكار في إجادة التمثيل.


assayha