ساعة الصفر..!! بقلم عبدالباقي الظافر

ساعة الصفر..!! بقلم عبدالباقي الظافر


06-23-2018, 01:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1529757108&rn=0


Post: #1
Title: ساعة الصفر..!! بقلم عبدالباقي الظافر
Author: عبدالباقي الظافر
Date: 06-23-2018, 01:31 PM

01:31 PM June, 23 2018

سودانيز اون لاين
عبدالباقي الظافر-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر


رغم منظر الدماء النازفة، إلا أن كل شيء كان هادئاً في غرفة العمليات.. الأطباء يبذلون قصارى جهدهم في التعامل مع الصبي مجهول الهوية.. كل المعلومات المتوافرة أن عربة دفع دهست الصبي عند تقاطع شارع المك نمر مع الجمهورية.. لم يدم الهدوء طويلا.. دون مقدمات اقتحمت غرفة العمليات امرأة جزعة.. في الحقيقة أن الحالة كانت أقرب إلى الجنون من مجرد الهلع.. تبين الفريق العامل أن السيدة الثائرة ليست سوى أم الصبي الذي ينازع الموت.. كان الصراخ والضجيج كفيل بلفت أنظار بعض المرضى ومعظم المرافقين.

الجراح كاد أن يتوقف بسبب البيئة المحيطة.. لكن كبير الممرضين كان عنده حل.. أطبق على السيدة التي كانت تنتحب بشدة.. بمعاونة سيدة من طاقم العمال غرس حقنة تخدير في عضل أم محيميد.. استسلمت السيدة وخارت قواها.. بحث الممرض المخضرم عن أقرب فراش شاغر وترك السيدة تحت حراسة مشددة.. لم يكن مكترثاً إن كان ما فعله يتسق مع أخلاقيات الطب.. لكنه كان مهتماً بإنقاذ ذاك الصبي الجريح.

بدأت السيدة رغم وطأة التخدير تسرد قصة محيميد.. كنا أسرة سعيدة يعمل عائلها في مؤسسة النيل الأبيض الزراعية.. لم يكن موظفاً لكنه من العمال المهرة.. دون سابق إنذار تم حل المؤسسة.. حاول الزين أن يجد عملاً في السوق الحر.. حينما ضاقت به الواسعة قرر أن يهاجر إلى ليبيا عبر مجاهيل الصحراء.. أرسل من سبها خطاب الوصول، ثم انقطعت أخباره.. تتعدد الروايات في بلد تسيطر على مفاصله الفوضى منذ سنوات.. لكن النتيجة أن الأسرة باتت بدون عائل.

خرجت السرة إلى السوق تبيع الشاي.. نظرات الذئاب كانت تؤذيها.. الكشة كانت شبحاً آخر.. لكن ثلاثة أفواه كانت تنتظر الطعام .. وبعض من الكراسات والكتب.. بدأ محيميد يتحمل المسؤولية منذ الثامنة.. ينصرف من الدراسة ليبدأ معاونة أمه.. أو في الحقيقة حراستها من الذين في قلوبهم طمع.. ذات مساء كان يشهد معركة شرف.. حاول أحدهم في ذاك المساء أن يمد يده.. صرخت السرة تجمع الناس .. لكن ابن العاشرة كان يبكي بشدة.

في الصباح الباكر اعترض سبيل أمه.. رمى الحقيبة القديمة التي تحوي مستقبله.. هجر المدرسة ودخل سوق العمل.. وردية طويلة تبدأ مع شروق الشمس وتستمر حتى موعد آخر بص.. في الجزء الأول من الصباح يبيع الصحف.. عند الظهيرة يجلب الماء البارد المعبأ في قوارير.. في المساء يبيع المناديل الورقية وبعضاً من السلع التي تكاد أن تنتهي صلاحيتها.. بعد منتصف الليل يعود بنصف عين مفتوحة.. يدس الأرباح بين يدي أمه ويحتفظ برأس المال.

في ذاك المساء كان والد ماجد مشغولاً بمباراة في كأس العالم.. ماجد الذي يماثل محيميد في العمر أخذ مفتاح العربة الفارهة خفية .. أسر إلى أصدقائه عبر الهاتف بما حققه من إنجاز.. لم ينتظر ماجد الإشارة الخضراء حتى تمنحه الإذن.. في الجانب الآخر كان محيميد يتعجل الوصول إلى زبون استخدم آلة التنبيه .. بين الإرادتين المتضادتين حدث الصدام الدامي.

جذب دكتور أحمد نفساً ثم رمى المقص.. كان ذلك إشارة بفشل التدخل الجراحي .. تبادل الأطباء الإحساس بخيبة الأمل .. كانت معركة الممرض باشري أكبر.. ذهب إلى حيث السجينة.. قبل أن يخبرها أخبرته أن محيميد مات.. أظلمت الدنيا في وجه الممرض المخضرم فاضت عيناه بدمع غير مألوف.



assayha