عادات بادت ثم عادت : عادة ( البُلام ) بقلم د . الصادق محمد سلمان

عادات بادت ثم عادت : عادة ( البُلام ) بقلم د . الصادق محمد سلمان


05-26-2018, 10:38 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1527370706&rn=0


Post: #1
Title: عادات بادت ثم عادت : عادة ( البُلام ) بقلم د . الصادق محمد سلمان
Author: د.الصادق محمد سلمان
Date: 05-26-2018, 10:38 PM

10:38 PM May, 26 2018

سودانيز اون لاين
د.الصادق محمد سلمان-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

بسم الله الرحمن الرحيم



البُلام هو تغطية الوجه بطرف الثوب حتى منتصف الأنف ، هو مثل النقاب لكنه يترك مساحة أكبر مما هو عليه النقاب ، يقول قاموس العامية في السودان أن كلمة البُلام أُخذت من كلمة ( بلم ) بالفتح ، والشخص الأبلم هو العي ، وأصل الكلمة في الفصحى ( البلم ) ورم الشفة ، لأن صاحبها لا يستطيع الكلام . ومن معاني الكلمة في اللهجة العامية السودانية " الجهل " كما في المثل ( القلم ما بيزيل بلم ) ومن المعنى الأول جاء إستخدام الكلمة ( بُلام ) لتعني تغطية الوجه ما عدا العينين ، والبُلام هو رسن الجمل الصغير ، والرسن عامة ، قال ود شوراني " جملي البيهو من زمن البُلام متعاجب " . وكانت عادة البُلام منتشرة في السودان وسط نساء المدن تحديدا فلم تكن نساء الريف والبادية ملتزمات بهذه العادة نسبة لطبيعة الحياة في الريف والبادية ، فهن يعملن في الزراعة وفي الأسواق ، ويذهبن لجلب الماء وغيرها من الأعمال التي يبدو البُلام معها غير عملي . معظم نساء المدن عندما كن يخرجن خارج بيوتهن كانت الواحدة تضع البُلام على وجهها ، ويبدو أن القصد هو نفس القصد من النقاب أو البُرقع ، تغطية الوجه ، لكن البُلام يختلف عن النقاب أو البرقع ، فهذا الأخير عبارة عن قطعة يُغطى بها الوجه أي أنها أسم لهذه القطعة ، في حين أن البُلام ممارسة أو عادة تعني تغطية جزء من الوجه بالثوب ، فهو ليس قطعة منفصلة مثل النقاب أو البُرقع ، فهو عملية تقوم بها المرأة وذلك بتغطية وجهها بطرف الثوب الذي تلف به جسدها . في نظر البعض أن نساء المدن يعتبرن البُلام نوعا من التميز الإجتماعي ، فالمرأة التي تتبلم يعني أنها من الطبقة المتمدنة .
يرجع علماء الإجتماع التغيير الإجتماعي في المجتمعات إلي عوامل بعضها داخلي مثل الحروب والنزاعات والتغيرات الإقصادية وإنشار التعليم والوعي وغيرها ، وأخرى خارجية مثل الإحتكالك الثقافي والهجرات ، والعلاقات التجارية وغيرها ، ويرى العلماء إن العادات والتقاليد والمعتقدات من أكثر عناصر التراث مقاومة للتغيير ، ولذلك يحدث التغيير فيها ببطء شديد ، لأنها متجذرة في شرائح وقطاعات المجتمع .
في فترة أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات بدأ التعليم في الإنتشار وخاصة تعليم المرأة ، ومع تعاقب الأجيال وخروج المرأة للعمل بدأ التخلي عن البُلام من الأجيال الجديدة وأصبح محصورا في النساء من كبار السن وعندما إنتهى هذا الجيل إنتهى معه البُلام . عناصر التراث تقوم بعدد من الوظائف في المجتمع ، وفي بعض الأحيان وبسبب التغير والتطور في المجتمع تختفى بعض العناصر لعدم الحاجة لوظيفتها ، فمثلاً القُفة المصنوعة من السعف تستخدمها المرأة لإحضار ما يُسمى مصاريف البيت من السوق (لوزام الطعام اليومية ) والمصطلح ( قفة الملاح ) يذهب إلي محتويات القفة الذي يرمز لتكاليف المعيشة و ميزانية الأسرة ، وأصبح يستخدم في الأوساط السياسية عند الحديث عن تكاليف المعيشة وقد جاء زمن تم إستبدال القفة بأكياس البلاستيك وإختفت القفة من البيوت ، وقد رأيناها تعود هذه الأيام بعد منع أكياس البلاستيك لأن الإحتياج إليها فرض عودتها وإستخدامها من جديد . وكذلك حدث الأمر مع البُلام فبعد أن فرض التطور الإجتماعي للمرأة إختفاؤه زمنا طويلا نشاهد هذه الأيام الفتيات من الأجيال الجديدة رغم تخليهن عن الثوب وهو الزي التقليدي للمرأة السودانية عدن للبُلام بطرف الطرحة أو الشال الذي يُغطى به الرأس ، ويتم ذلك في أماكن معينة كمواقف المواصلات ، وفي أماكن أخرى لا تحب بعض الفتيات معرفة شخصيتهن . المهم في الأمر أن هذه العادة التي بادت منذ زمن طويل نراها الآن تعود من جديد لتؤدي الوظيفة التي كانت تؤديها من قبل رغم التطور الثقافي الهائل في وضع المرأة وعادات وسلوك النساء ، مما يؤكد أن وظيفة عناصر الترات تظل موجودة حتى وأن تركها المجتمع ليعود إليها متى ما ظهرت الحاجة إليها وهذه من مميزات التراث الثقافي للمجتمع .