من المهم أن يكون لك ( كبير) تأخذ عنه بعض الحكمة وتستقي منه الحكايات والروايات التي تذخر بالمعلومات المفيدة والمعارف لمختلف المجالات . وفيما يختص بحكايات كبار السن - هذه الأيام وفقآ لتجربتي - أنهم يميلون الى عقد المقارنات ( زماننا ، وزمانهم ) بعضهم يُحدثك بهدؤ وتمام الرضاء مع تَفَهُم أسباب الإختلاف ، وآخر يفقد السيطرة و يملاؤه الغيظ أثناء الحديث فيزبد ويلعن . أجدني ميالآ للإستماع لحكايات كبار السن ، كأصحاب الحِرَف والمهن المختلفة ، ومعاشيي الخدمة المدنية والعسكرية ، وما أروع حكايات السكك الحديدية ، وعمالها ( الدريسه ) ،أو أهم ما يميز الخدمة العسكرية زمان ، وأيضآ حكايات الذين عاصروا بقايا النظام الإداري للمستعمر وكيف أن الإنضباط هو أهم ما يميز الخدمة المدنية في ذلك الوقت ... والدراسة في عهد الإنجليز وداخليات سكن الطلاب ، والمناشط بها ، والمكتبات الثقافية وغيرها ! . بعض الأحيان يحتاج كبار السن الى محفز ، أو مُثير للحديث عن أمور مثل هذه ، وتعلمون ما أعظم المحفزات والمثيرات (الموجعات ) هذه الأيام ، وعلى المستوى الشخصي أميل في الإستماع لكبار السن الذين كانت حياتهم سفر وترحال وتنقلات في ربوع السودان ، وحول العالم ، وأتعامل معهم بحسب الموقف والذي قد يتطلب مدخل مناسب على شاكلة " الناس زمان نفوسها طيبه " فيطفق يُحدثك عن المجتمع الجميل في سابق السنين ، وكيف أن الناس كلها أهل والبيوت بينها نفاجات ، أو اذا جمعتك الظروف في مصلحة حكومية مع أحد المسنين لإنجاز معاملة ما ويكون هو نفسه معاشي خدمة مدنيه ؛ فتجده يتحسر على ما آلت إليه الأمور والخلل الذي يضرب دولاب العمل . أحد المسنين وهو معلم بالمعاش صادفته قبل يومين يتحدث متحسرآ وغاضبآ كعادة بعض كبار السن يعقد المقارنات زمان كان ، وزمان كنا ويمتعض مع إيماءات عدم الرضاء ، فقاطعته بقولي : يا حاج انتو عشتو زمن حلو ... ويبدو أن كلامي هذا قد أراحه قليلآ فإبتسم وزاد بتفاصيل كثيرة عن زمان الحياة الرخية والإنسانية والعُشرة الطيبة وعن أشياء كثيرة كان لها معنىً ، وختم بعد كم سنه الأجيال الجاية ما بتلقى شئ ، حتى اللحمة دي أظن حيكو بيها حكي !! ... فتأملت في إرتفاع أسعار اللحوم في بلد الثروة الحيوانية ، وبالمناسبة هذه الأيام يعاني الرعاة وأصحاب السعية معاناة شديدة في سبيل توفير مياه للمواشي ، وأحد الأصدقاء حدثني عن أنه يشتري تنكر المياه سعة 17 برميل بحوالي 2000 جنيه من مصدر مياه ليس ببعيد ، وهذا ما يدفعه الى بيع بعض ماشيته ليوفر المياه . وأعود لموضوعنا وأركز على ضرورة الإستماع لكبار السن وحكاياتهم وتجاربهم ففيها ما نستفيد منه ، وفوائد أخرى عديدة غير مرئية تتعلق بالصحة النفسية لكبارنا ، و تتحقق من خلال الإستماع إليهم ، وعدم إهمالهم فالكثير منا قد ينشغل بالهاتف ساعات طوال دون أن تصدر عنه كلمة بينما بالبيت أو عند أول الشارع بالحي كبير سن يشكو بثه وحزنه لله ، ويتأمل في عالم اليوم ! ... فبصراحة هم أغراب في عالمنا هذا وأرجو ان نعينهم على إستيعاب ما يجري حولهم بمنحهم قليل من وقتنا الثمين ( المهدر ) ! .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة