ربما كان للقدريين منطقهم في أننا نحيا وتتقلب مصائرنا بين أصابع الأقدار، وأن التاريخ هو في الأصل قضاء وقدر ، ونحن كحجارة الشطرنج لا فعل لنا إلا أن نتلقى ضربات الأقدار . ويؤمن كثيرون بأننا بلا مشيئة ولا تخطيط ولا نظرات استباقية ، نقرأ منها ما سوف يحدث لنا ، بل نسير كأننا مسحورون ، بل لدينا جمهرة من الناس يُكفّرون من يخالف ذلك الاعتقاد ، وهي تميمة اعتدناها من جموع هائلة من البشر عندنا ، أسهل شيء عندهم الإفتاء بالخروج عن الملّة وتكفير الآخر . إن التاريخ ماثل بين أيدينا ، لنعد قراءته من جديد ، ونتعرف على الفرو الناعم للبداوة التي تتملّك نفوسنا . ليس " الطيب صالح " ساحراً ليقرأ بنظرة استباقية ما سوف يحدث ، بل العقل والعقلانية هي التي أرشدت بصيرته ليُسابق المستقبل ويقرأ المشهد من وقائع تُرشده إلى ما سيأتي ، مثل أي نجم قد انفجر قبل ألف عام ، ونحن نُشاهده الآن بالعين المُجرّدة ، نُشاهد التاريخ كأنه ينبض بالحياة ،هذا هو سبيل العيش في عالم أصبح شديد التغيّر على الدوام ، وأن العقل لديه خبرات مُتراكمة لتقدير المستقبل وفض أغلفته ، والتحسُب لكل الانزلاقات في أرضيته ، لا أن ننتظر الفأس أن تقطع الرأس . أيمكننا أن نُغير وقائع التاريخ ، نركب عجلة الزمن الدوّارة أو ندخل كهف الذاكرة ونُعدّل تفاصيل الحياة في الماضي ؟ ليس في مقدورنا أن نُعدل أو نُخفف وقع الماضي الغليظ ولو رغبنا . لم تُبدع البشرية سُبلاً لذلك بعد . أمامنا الحاضر بكل تجلياته ، المُحزنة والمفرحة . يمكننا تغييره وتعديل الحياة التي نعيش ، لأخرى أفضل ، لو اتّبعنا مناهج تتخذ العقلانية الخلاقة سبيلاً . نضع الأوراق كلها على منضدة الفعل ، نستلهم منها تصوراتنا للمستقبل ، ونرسم طريقاً لخيارات أفضل ، فالعالم يُبشر بانقلابات سريعة في كل شيء . ابتكارات تكاد أن تنافس الخرافة ، تُحقن دم الحياة . عالم المستقبل فوق تصوراتنا ، ولكننا بالوسائل المناسبة، يمكننا تلمُس الطريق ، في عالم يشبه دُنيا الأحلام. (2) وُلد الفنان والرسام " إبراهيم الصلحي " عام 1930 في مدينة أم درمان التاريخية في السودان . درس التصميم وكلية " غردون التذكارية " وشعبة الفنون في "معهد الخرطوم الفني" خلال الأعوام ( 1948 -1951) . انتقل بعد ممارسة في التدريس إلى كلية الإسيليد التابعة لكلية لندن الجامعية ، كما درس التصوير أبيض وأسود في قسم الصحافة التابعة لمدرسة الدراسات العامة في جامعة كولومبيا في نيويورك ( 1964- 1965) . تنوعت خبراته في تدريس الرسم وعمله الإبداعي حتى أصبح رقماً إفريقياً ، بل عالمياً في فن الرسم . لم يزل يداوم العمل المُبدع ، وقد بلغ الثامنة والثمانين مما مضى من عمره. التقى خلال حياته الباكرة في أربعينات القرن العشرين ، في مدرسة " وادي سيدنا الثانوية " بـ "الطيب صالح"و" منصور خالد " . ظلت تربطه بهما شجرة ظليلة من الصداقة ، بقدر ما فرقت بينهم دروب الحياة . لم يكن الفنان والرسام المُرهف " إبراهيم الصلحي " ليصدق أنه سوف يقضي ستة أشهر في سجن " كوبر " في الخرطوم بحري ، بعد انقلاب عسكري بقيادة المقدم " حسن حسين عثمان " ، الذي تم عام 1975 . كان ذنبه أن ذهب لمكتبه لقضايا مُتعلقة بطبيعة عمله يوم جمعة الانقلاب ، وكان أيضاً بصدد الاعداد لبرنامجه التلفزيوني الثقافي الشهير ( بيت الجاك ) ، وقد كان يشغل حينها وظيفة وكيل وزارة الإعلام . لم يكن في ذهنه أن يكون سياسياً مُباشراً ، إلى أن لدغته أفعى السياسة ، فتذكّر نصيحة صديقه " الطيب صالح " التي لم يكن تشغل باله . (3) كتب الفنان " إبراهيم الصلحي" في سِفره ( قبضة من تُراب ) ، يحكي عندما كان مساعداً للملحق الثقافي بسفارة السودان في لندن ، وهو سِفر تناول فيه بعضاً من سيرته الذاتية ، نقطُف منها : { اطلع سعادة وزير الخارجية آنذاك ، وهو الصديق والمفكر السياسي الملتزم بقضايا الوطن ، الدكتور" منصور خالد" ، على المقترح ، وتخابر بشأنه مع سعادة وزير الإعلام آنذاك "عمر الحاج موسى" ، وكان وقتها يبحث عمن يوكل إليه مهمة إنشاء مصلحة الثقافة بوزارة الإعلام إلى جانب تنظيم العمل لمجلس قومي للآداب والفنون ، وعليه فقد تم استدعائي إلى الخرطوم للتفاكر بهذا الشأن مع سعادة وزير الإعلام . وأذكر بهذا الخصوص أن صديقي" الطيب صالح" ، والذي كان وقتها يعمل رئيساً لقسم الدراما بالقسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية ، قد نصحني قائلاً بأنه من الأفضل لي أن أبقى بلندن ولا أنسى كلماته تلك ( مالك ومال الغلبة يا زول ، أنت لا تعرف هؤلاء الناس عساكر ، خليك معانا هنا ، أحسن ليك يا زول ) . وأذكر أني رددت عليه بقولي ( إن هذا المجال فيه تحد كبير بالنسبة لي ، وهو مجال طيب للعمل ، وأننا إن لم نعمل لبلدنا فمن سيعمل له ، والآن وقد نادى المُنادي ، فما علي سوى الاجابة ) . ولهذا لم أستمع لنصحه وتحذيره لي ، وليتني فعلت حتى أتجنب ما قد حدث لي لاحقاً في عهد حُكم أخينا "جعفر نميري" . وقد صدقت نبوءة "الطيب صالح "، الرجل الصالح الطيب ، والصديق الوفي ، إذ أصابني ما أصيب به سنمار جزاء عمله ، وهو قدر من لا يضع حساباً لما يخبئه له القدر ، وما لنا مع القدر من فكاك} (4)
بعد سجنه في " كوبر" لمدة ستة أشهر ، خرج من السجن ، بلا محاكمة وبلا أسباب وبلا حيثيات وبلا منصب !. وبعد خروجه من السجن ذهب لبيت الأسرة في حي العباسية في "أم درمان " . قضى وقتاً قبل أن يتخذ قراره بالهجرة . قبضت والدته قبضة من تُراب ، صرّتها في صُرّة قبضتها من موطئ قدمه يوم مغادرته الدار بأم درمان إلى خارج السودان . أول مرة دعت والدته له يومئذٍ بسلامة سفره في حفظ الله وأمنه ، وإلى حين أن يؤذن له بالعودة مذكرة له ، إن كُتب له بالخارج مصير، أن لا ينسى ، ويتذكر حين قالت والدته " قط لا تنسى " . ومن يوم آخر، وزمان تالٍ آخر . وهي سيدة كبيرة السن في حاجة إلى منْ يرعاها، حين خرج من السودان لمهجره ، وقالت له بالحرف الواحد : ( غادر يا ولدي ، ارحل عن هذا البلد ، وحذار ثم حذار من أن ترجع ، فالحال ليس كما كان ، تبدّل أفاقاً وتغيّر من وضع مقبول شيئاً ما ، وعلى مضض ، للسيء غير السار وللأسوأ ) تلك قبضة التُراب ، التي سافر بعدها الفنان والرسام" إبراهيم الصلحي" ، بعد ستة أشهر من السجن قضاها في "كوبر" بلا حيثيات واُطلق سراحه عام 1976 ، وقد كان قبلها في وظيفة كيل وزارة الثقافة والإعلام !. (5) وكتب إبراهيم الصلحي بعض مذكراته عام 2009 ، في بطن السفر الذي ذكرنا : { وهذا ما عجل بخروجي من بلدي ، والقلب معلّق بالسودان ، أتجول بين البلدان ، أحمل في ذاكرتي وجه البلد الرحب الحُر بما كان عليه في سابق أيامه والطيبة صنو الناس . استرجع في ذاكرتي يوم سقوط الدولة في مروي حين غزانا الأحباش بجيوش من أكسم ، ونزوح الكهنة بسرّين ، أحدهما بلا شك كان السرّ الأعظم ، مفتاح القيم الكُبرى ، وأعرف حضارة أهل السودان بوادي النيل ، من فرس وبوهين شمالاً ، وجنوباً حتى "سوبا" قرب المقرن للنيلين ، وقد تجمعوا غرباً عبر الصحراء الكُبرى حتى وصلوا الساحل بالسنغال ، وانتشروا في كل بلادٍ أفريقية ، زادهم سرّ الخط المروي ، برموز أبجدية ، تحوي جملتها أمجاد الآباء ، كنزاً علمياً مدّخراً يستلهمه الأبناء ، كما حملوا في هجرتهم غرباً سر صهر الحديد ، يستخرج من لبّ الصخر ، ومن زمنٍ قد خبروا كيف يصنّع ، إذ كانوا حَملة علمٍ متطور ، كانوا غيثاً تقنياً ، سباقين بذلك المضمار. ويعيد التاريخ كعادته الكرّة ، لكن هذي المرّة وللأسف ، بعوامل أخرى من صُلب النُظم الحاكمة بالسودان ، فينتشر بربوع الكون بنوه }
عبدالله الشقليني 14 مايو 2018
*
Post: #2 Title: Re: قبضة من تُراب الأقدار عن إبراهيم الصلحي Author: امدرماني مية مية Date: 05-16-2018, 04:54 PM Parent: #1
العنصري المريض عبدالله الشقليني كل يوم بتثبت انك مريض ومتقعد من نفسك وعايز تبقي عربي غصبا عن اسيادك العرب . اساءاتك وعنصريتك لناس امدرمان ما نسيناها يا عنصري
Post: #3 Title: Re: قبضة من تُراب الأقدار عن إبراهيم الصلحي Author: عبدالله الشقليني Date: 05-17-2018, 03:37 PM Parent: #2
Post: #4 Title: Re: قبضة من تُراب الأقدار عن إبراهيم الصلحي Author: عبدالله الشقليني Date: 05-21-2018, 07:33 AM
الدرك الأسفل من الألفاظ (1) لن نرد على الشبح الذي خاف أن يذكر اسمه الحقيقي، لكن العتب للسيد( المهندس بكري أبوبكر ) مالك هذه المدوّنة ( آراء ومقالات ) ، أن سمح لمثل هذه الأشباح أن يكتبوا ، بل سمح بالدرك الأسفل من الألفاظ أن يكتبها هؤلاء ، في حق من اختار الثقافة والوعي سبيلاً من خلال المدوّنة لرفع مستوى الوعي والثقافة لمنْ يقرأ . (2)لمنْ يسأل عن لماذا اخترنا " يوتيوب " الشارقة دون غيرها فنورد الأسباب الآتية :لقد اهتمت إمارة الشارقة وعلى رأسها حاكمها بدعم الثقافة والفنون بالسودان : أولاً : بمنحة إمارة الشارقة لبناء ( قاعة الشارقة ) بمعهد الدراسات الأفريقية والأسيوية – جامعة الخرطوم عام 1983 . وأصبحت منذ افتتاحهامنارة للمؤتمرات العلمية والثقافية بتجهيزاتها الفنية والتقنية في تاريخ بناءها . ثانياُ : عينت البروفيسور يوسف فضل حسن ، ليؤسس جامعة الشارقة ، ومن بعده جاء رعيل آخر حمل اللواء فصارت ( جامعة الشارقة ) التي نعرفها اليوم ، صرحاً جامعي عالمي في حين انخفض مستوى جامعاتنا منذ ما سمي زوراً بثورة التعليم العالي أوائل تسعينات القرن العشرين ،أن أصبحت جامعاتنا مُجرد خلاوي . ثالثاً : احتفت إمارة الشارقة ممثلة في دار ثقافتها بالشراكة مع جامعة ( كورنيل ) بولاية نيو يورك قبل سنوات ، بإقامة معرضاً استعادياً للفنان السوداني العالمي ( إبراهيم الصلحي ) ، وتكفلت بإحضار رسوماته من دور العرض العالمية التي تملكها في إنكلترا وألمانيا وفرنسا ، لمدينة الشارقة وكرّمت الفنان الكبير. رابعاً : أقامت الشارقة الثقافية بالشراكة مع جامعة كورنيل بعمل معارض استعادية لعدد من الفنانين والرسامين السودانيين ، الذي اشتهرت أعمالهم الفنية خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين ، وخاصة قيام الشارقة بتكريم الفناة والرسامة ( كامالا ) وهي من الرعيل الأول الذي راد ( مدرسة الخرطوم الفنية ) ، والتي تلقت تعليمها المتقدم في بريطانيا في ستينات القرن العشرين . (3) مقارنة ، فماذا فعل الذين سرقوا السلطة وسرقوا العقيدة خلال ما يقارب ثلاثة عقود : (ا) سرقوا ودمروا تثالين نصفيين كانا يقبعا في أمام الطريق الذي يؤدي لمدخل المكتبة الرئيسة بجمعة الخرطوم . كانا يمثلان أوائل شهداء ثورة أكتوبر 1964 : أحمد القرشي وعبد الحفيظ . (ب) سرقوا ودمروا التمثالى النصفي لرائد التعليم ( الشيخ بابكر بدري ) ، والذي كان موجوداً في ساحة جامعة الأحفاد . (ج) سرقوا ودمروا كل تماثيل الموجودة بكلية الفنون بالخرطوم. (د) سرقوا ودمروا تمثال البطل ( عثمان دقنة ) في بور تسودان . (ه) لم تُقم الدولة خلال هذه الفترة المظلمة من تاريخ السودان ، بإقامة أي معرض فني ، ولم تُشيد الدولة المسروقة أي دور عرض فني ، وكل المجهودات هي خاصة وفردية . *