جالون بنزين..!! بقلم عبدالباقي الظافر

جالون بنزين..!! بقلم عبدالباقي الظافر


05-05-2018, 03:02 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1525528938&rn=0


Post: #1
Title: جالون بنزين..!! بقلم عبدالباقي الظافر
Author: عبدالباقي الظافر
Date: 05-05-2018, 03:02 PM

03:02 PM May, 05 2018

سودانيز اون لاين
عبدالباقي الظافر-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر


تمكن الغريب من حسم تردد عم سيد أحمد.. عدد من الأوراق الغبشاء من فئة الخمسين جنيهاً حسمت الصفقة.. كان السائق عم سيد يرتجف حينما دس المال بسرعة في جيب بنطاله القديم.. ازدادت ارتعاشة اليد حينما أمسك بطرف الخرطوش بين شفتيه محاولاً أن يسحب الوقود من الجركانة الزرقاء.. حينما فشل مرة وأخرى تدخل الزبون للقيام بالمهمة بنفسه.. بعد أن أنجز الغريب مهمة حلب الوقود نظر باستحقار لعم سيد قائلاً " لا بد أن يصل بعض الوقود لمعدتك".. لم يهتم عّم سيد لتعليق الرجل الذي يبدو مثقفاً قد اضطرته الازمة لشراء الوقود بالسوق الأسود أو في الحقيقة الاشتراك في سرقة مال عام.
لم يكن عّم سيد مرتاحاً لذاك التصرف.. إنها المرة الأولى في حياته أن تمتد يده للحرام.. كان يحاول أن يجد مبرر أنه ساعد مواطناً من عربة وزير لا يشبع.. إنه ليس نبياً.. لكن صوتاً آخر يلومه على هذا الفعل.. توقف لحظة ليبحث عن ذاك الغريب ليرد له ماله.. لكنه اختفى بين الصفوف المتراصة.. حينما تذكر مشاهد الصباح التي حدثت قبل نصف ساعة قرر أن يعود للبيت .. لكن ماذا سيقول لزوجته عن هذا المال.. كانت آسيا تدرك أن زوجها حينما خرج باكراً كان يهرب من منظر الأطفال الثلاثة وهم يشربون الشاي الأحمر .. صاحب (الكنتين ) اعتذر البارحة حينما قرر أن عّم سيد غير قابل لمزيد من الإقراض .
رغم برودة الجو داخل السيارة السلطانية، إلا ـن عّم سيد شعر بموجة عرق تداهم أعلى جبهته.. قبل أن يصل لبيته الطيني في ضاحية الدخينات توقف برهة حتى يتأهب للمواجهة مع زوجته آسيا أو أم إيمان حينما يريد أن يمتدحها.. كثير من الخطوط الفاصلة في حياته خطتها هذه السيدة التي تصغره بخمسة عشر عاماً.. داهمته الأيام الجميلة في قصر الأمير بالسعودية.. كان سائق زوجة الأمير.. دخله جيد لكن التزامات الأسرة الكبيرة في السودان بلا حدود.. تأخر كثيراً في قرار الزواج.. فقط قبل اثنتي عشر عاماً تزوج بناء على نصيحة أمه.. بعد عشر سنوات ندية بمدينة الرياض داهمه المعاش.. ثم العودة للسودان.. تلك العودة التي لم يحسب لها حساباً..هونت عليه آسيا من المصاب قالت له "سيفرجها ربنا".
خلال عام كامل كان عليه أن يصرف معظم ما ادخر خلال سنوات الاغتراب.. حاول أن يحافظ على مستوى حياة الأسرة رغم أن الخرطوم ليست الرياض.. ذات جمعة صلى بمسجد كافوري الأنيق .. بعد أن فرغ من الصلاة المكتوبة وجد على يمينه وجهاً مألوفاً.. ربما يحل هذا الرجل كل مشاكله .. صافحه داخل صحن المسجد مسبغاً عليه لقب دكتور، كان الوزير يظن أن الرجل من المريدين والأنصار.. بلغة مباشرة لا تخلو من عاطفة طرح عّم سيد مشكلته مصحوبة بتاريخه المجيد في خدمة أسرة الأمير .. في يوم الأحد كان عّم سيد يشغل وظيفة سائق الوزير الخاص.. عليه أن يكون في خدمة زوجة الوزير وأنجاله وأطراف الاسرة من صباح الرحمن حتى ما بعد المغيب.. الراتب ضعيف .. امرأة الوزير شحيحة.. لكن واحدة من بنات الوزير كانت تغدق على عّم سيد.
لم يكذب من قبل على زوجته لكنه الآن مضطر.. سيقول لها إن مزن بنت الوزير حولت له هذا المبلغ كرصيد.. توقفت العربة أمام البيت الطيني ذي الأبواب الجميلة.. حينما سُوَر هذا البيت كان يظن أنه سيبنيه بناية متعددة الطوابق.. هرع الأطفال في فرح يحيطون بعربة (البوكس ) الفارهة.. كان شعور امتلاكه الجزئي لهذه العربة يجعله سعيداً بسبب احتفاء صغاره بهذا الواقع المكتسب.. دخل مع صغاره إلى حيث آسيا.. وجد بعضا من البسكويت وشاي لبن في أكواب صغيرة.. ابتسمت آسيا حينما أخبرته أن سعيد شقيقها أرسل لها رصيداً بمبلغ مئتين وخمسين جنيهاً عبارة عن نصيبها في قمح الساقية.. خفض عّم سيد من هامته وتحاشى النظر إلى عيني زوجته .. إنه ذات المبلغ الذي استلمه ثمناً لجالون بنزين.
خرج مرة أخرى ثم اختفى في الشارع الضيق متجها لبيت حاج الأمين الذي طلب منه أكثر من مرة أن يبلغ الوزير بحاجته الماسة للمساعدة.. دس المبلغ بين يدي الرجل المسكين وخرج.. وما زال صاحب الدار يدعو للوزير بطول العمر.



assayha