ذكرُ ما جرى بقلم عبد الحفيظ مريود

ذكرُ ما جرى بقلم عبد الحفيظ مريود


04-30-2018, 04:47 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1525060037&rn=1


Post: #1
Title: ذكرُ ما جرى بقلم عبد الحفيظ مريود
Author: عبد الحفيظ مريود
Date: 04-30-2018, 04:47 AM
Parent: #0

04:47 AM April, 29 2018

سودانيز اون لاين
عبد الحفيظ مريود-السعودية
مكتبتى
رابط مختصر

رؤيا


علّق ناشطٌ شيوعيٌّ على مسألة تنفيذ شرطة ولاية الجزيرة إزالة كمبو، أو مجموعة من الكنابي، دون إنذار سابق بأنّهم "غير سودانيين". ومع أنّ بعض النّاشطين ردعوه ردعاً "إنسانيّاً لائقاً وتقدّميّاً"، إلاّ انّ الحالة تتسق تماماً مع الخط الصّاعد نحو "تحرير السّودان من العناصر الزّنجيّة الجالبة للمنغّصات". وهو خطٌّ لا يبدو للنّاظر متّفقاً عليه، رسميّاً، بين مكوّنات الشّمال، بحسبان التعدّد الشماليّ سياسيّاً، عرقيّاً وأيديولوجيّاً، ولكنّه في التّدقيق يظهرُ كمقصدٍ واستراتيجيّة ثابتة. واحدة من أذرع وتكوينات المزارعين بالجزيرة، منزوية إلى حدٍّ ما، قالتْ إنّ بلاغاتٍ من عناصر منتمية للمؤتمر الوطنيّ، كيديّة، هي التي أسّستْ لقرار الإزالة الصاخبة، التي واجهتْ فيها الشّرطة شباب الكمبو بالغاز المسيل للدّموع والعنف، حسبما أفادتْ تقارير صحفيّة.
الوضع الذي بدأ طبيعيّاً هو أنّ الكنابي ليست قرىً معترفاً بها في الجزيرة، حتّى ولو مرّ على وجودها خمسون عاماً. فهو تجمّع لعمّال – كانوا موسميين – طارئين لا يجوز معاملتهم معاملة "المواطنين". وفيما طرأتْ على وجودهم، تحت ضغوط معيشيّة، مهنٌ جانبيّة منها صناعة الخمور البلديّة، صارتْ القرى الرّاسخة تفتخر بخمور كنابيها، وتهاجر بعضها للكنابي الأخرى لأنّ خمر الكمبو التّابع لها ليس جيّداً، ولم يتمّ الاعتراض على ذلك التوجّه، بل تمّ إدغامه كجزء من تعريف مهام الكمبو، وتفصيل القادم منه. فالقادم من الكمبو محفوف بالشكوك، حتّى ولو كان إمام مسجد.
في وادي حلفا يُقيمُ ما يقارب نصف سكّان المدينة في سكنٍ عشوائيّ لا يكاد ينتمي إليها. لم يجرِ تخطيطه، إيصال الخدمات له، تطويره، فيما تتطوّر المدينة. وذلك بالرّغم من مرور عقود على وجود هؤلاء القادمين من جبال النّوبة، واستقرارهم في المدينة. وحين فكّرت المعتمديّة – في بعض صحواتها – في التخطيط، لم تفكّر في تفكيك الوجود العشوائيّ هذا، توزيعه إدماجاً في الأحياء القائمة، بغرض إحداث نقلة له، بل فكّرتْ في تخطيطه وهو في عزلته تلك، إقصاءً وإبعاداً.
ذات الأمر يجري في ولاية القضارف. حدث أنْ ثار الأغلبيّة على التّجاوز المستمرّ لها في السّلطة المحليّة، على مستوى منصب الوالي والوزراء والمعتمدين، باعتبار أنّهم الأحقّ بالكثرة العدديّة، فتمّ استرضاؤهم بفتات لا يمثّلهم. فالوضع الثابت هو أنّهم "طارئون على الولاية"، هامشيون في المهن، وفي الحياة أيضاً. وهو تقريباً الشيء الذي يجعل قراهم وتجمّعاتهم ركيكة وتفتقر إلى الخدمات بكلّ معنى الكلمة، تعمل – باستمرار – على إنتاج نماذج للهامش، ولا ينبغي أنْ تتحرّك وضعيتها للأمام.
يصرّح مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجيّة وقتها، في خضمّ قضية محمّد آدم، فنّي المشرحة بجامعة صنعاء المتّهم بقتل وتشريح وبيع أعضاء طالبات بالجامعة بأنّ "السّودان ظلّ على الدوام مأوىً للاجئين من دول الجوار وغرب أفريقيّا. "في إشارةٍ واضحة إلى أنّ المتّهم ليس سودانيّاً، ولا يمكن احتسابه ضمن أبناء البلد. وهي ذات عقلية النّاشط الشيوعيّ الذي صنّف أهالي الكنابي بأنّهم غير سودانيين.
حين يغضب البعض من بعضهم، شخص ما، في الكيان الواحد، يحيلونه إلى آخر، ليس منّا. والكثيرون يذكرون مقولات وكتابات إسحق فضل الله بأنّ التّرابيّ "أصوله تشاديّة"، وأنّه يدعم حركة العدل والمساواة، ويتستّر عليها لأنّه – في العميق – ينسّق مع "بني جلدته" لقلب النّظام في الخرطوم. مع أنّ الحركة الإسلاميّة التي ينتمي لها إسحق هي نتاج فكر ذات التّرابي ذو الأصول التشاديّة.
لكنْ تستمدُّ الرؤى هذه مشروعيتها من مذكرة "كرام المواطنين"، تلك التي وقّعها الكرام للتبرؤ من أفعال وأفكار جمعية اللواء الأبيض، معتذرين للإدارة البريطانيّة عن هذه الجمعيّة التي لا تمثّل السودانيين "أولاد القبائل"، ولا تمثّل "السّادة" الذين يصفون أنفسهم بـ"كرام المواطنين".
كمبو فطيس ليس مجرّد كمبو. إنّه مجموعة منسّقة من الرؤى والأفكار والسلوك الإقصائيّ الذي ينتظم النّخبة الحاكمة سياسيّاً، اجتماعيّاً، ثقافياً، واقتصادياً، حتّى ولو بدا أنّها متنافرة. في وسط الإسلاميين والشيوعيين وبقيّة الأحزاب، الطوائف، التكوينات. صادف كمبو فطيس سوء طالعٍ أكيد. ولكنّه ليس هدفاً وحيداً.