زوايا الدائرة بقلم د.أمل الكردفاني

زوايا الدائرة بقلم د.أمل الكردفاني


02-19-2018, 05:19 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1519057154&rn=0


Post: #1
Title: زوايا الدائرة بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 02-19-2018, 05:19 PM

04:19 PM February, 19 2018

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر










ربما منذ سنين طويلة قرأت كثيرا عن ثنائيات متعددة ، ونظريات متعارضة وآراء لا تحسم نفسها من النقد ، ان السؤال الكبير الذي لا اجابة له هو : *ماهي الحقيقة؟* فكلمة حقيقة نفسها تحتاج الى تأكيد كونها تعطينا دلالة مفهومة عن ذاتها ، وربما اولئك الذين درسوا الفلسفة هم اكثر توهانا مني في مسألة التبني الحاسم لنظرية ما ، هل نمنح المجرم فرصة للدفاع عن نفسه ام نمنح المجني عليه حق الاقتصاص لنفسه ، هل ضمانات المتهم قد تؤدي الى افلاته من العقاب ام انها تؤدي الى حماية بريء من الادانة الخاطئة ؟ هل الاشتراكية افضل ام الرأسمالية؟؟ هل نساوي الذكي بالغبي تحقيقا للعدالة ام نعطي الذكي اكثر من البليد تحقيقا للعدالة؟؟؟ هل الاخلاق حقيقة ام وهم؟؟؟ هل الانسانية تحيا على التشارك ام الصراع؟؟؟؟ هل وهل وهل ،،وبالتعمق في الاجابات الكثيرة والمتناقضة يزداد اقتناعك بأن هذه المفاهيم لا يمكن تبنيها الا على نحو تحكمي ، والتحكمية هي اننا نفترض شيء كحقيقة حتمية ونتعامى عن رؤية جوانبه الاخرى المظامة وهذا ما يسمى بالدوغمائية ، فهذه الاخيرة هي تمسك اعمى وغير قابل للجدل بمفاهيمنا حتى تتحول لعقيدة ، وهذا هو ديدن غالبية البشر ، فهناك من يتبنى الدين كدولة وهناك من يتبنى العلمانية ، هناك من يدافع باستماتة عن الدكتاتورية الرشيدة وهناك من يدافع عن الديموقراطية ، هناك من يتبنى الشيوعية ولا يتنازل عنها ولو وضع السيف في نحره ، وهناك من يقاتل من اجل العروبة وهناك من يموت دفاعا عن الافريقانية ...الخ ... ان الانسان يخلق مسلماته ليتمكن من المشي فوقها باطمئنان.
وفهمك لنسبية كل هذه المفاهيم وغيرها يوقعك في مطب كبير ، بل ربما مصيدة عدم الانتماء ، فالدوغما هي انتماء يصغر او يكبر ، ان الناس تتبنى انتماءا لفريق كرة قدم بدون اي معايير منطقية سوى اختلاف لون الملابس ، وتتبنى رقعة جغرافية كوطن بدون اي منطق عقلاني ، وتنخرط في القطيع بدون اي تساؤل عن وجهة هذا القطيع ءإلى الفردوس ام الى هاوية الجحيم ، ان هذا كله محاولة منها للبحث عن انتماء ، ربما ندفع بخطواتنا نحو انتماء محدد عبر تفكير متواصل او نجد انفسنا غارقين فيه عبر ميراث منقول الينا ، وقد يكون هدفا للبحث عن الكينونة فيتساوى اسامة بن لادن بكارلوس وبهتلر والمهاتما غاندي ونيلسون مانديلا ، فكل القضايا التي نعتبرها قضايا كبرى هي في الواقع ليست كذلك... ان بعض جزر القمر اتخذت من تحررها من الاستعمار الفرنسي هدفا ورسالة وانتماء ولما استقلت وتهاوت اقتصاديا هرب شبابها الى الجزيرة التي لم تستقل بحثا عن لقمة العيش ، ان الذين ناضلوا ضد الاستعمار الاوروبي هم الان من يلجأون الى اوروبا متخلين عن هوياتهم او يسوقونها معهم ككلب مروض . لا شيء يبدو حقيقيا فكبار الشيوعيين في الاتحاد الروسي كانوا يدخنون المارلبورو الامريكي ، وايران التي تتبنى عداء زائفا مع اسرائيل تعمل فيها عشرات من الشركات الاسرائيلية ، وابو مازن الذي يقاوم الاحتلال هو الذي يبكي في جنازة المحتل ، والعرب الذين يلعنون اسرائيل هم من يمدون لها قرعتهم متسولين رضاها. والمتدين الذي يحرم السجائر على نفسه هو نفسه الذي يسرق اموال الفقراء واليتامى ، وامام المسجد الذي يدعوا الى الطهارة هو من يغتصب الاطفال ، والناس بشكل عام تائهون في متاهة مبادئ من الصعب عليهم احتمال قيودها فيكسرونها دون ان يتخلوا عن الامساك بها في تناقض عجيب ومدهش ، وهكذا تبدوا القضايا شديدة السيولة بل والميوعة ... وتنهار السرديات الكبرى والمفاهيم ذات النطاق الموسوعي والقواعد ذات الاثر العام ... ورغم كل ذلك فاغلبية البشر غير مقتنعين بنسبية هذه المفاهيم . ويمكن لشخص ضعيف القلب ان تختل نبضات قلبه فيموت حينما يتم احراز هدف في فريقه -فريق كرة القدم- وهذا حدث حقيقة وليس مجازا.... عندما اقول بأنني ليبرالي فإنني لا اتبنى الليبرالية بل اتصور الى حد ما بأنها تحقق لي ولغيري مصلحة مشتركة ، ولكن دعنا نتساءل: هل فعلا الليبرالية في شقها الاقتصادي تحقق لي مصلحة ، نعم انني اعتقد بأن الشق الثقافي لليبرالية وهو تأكيد الحرية الفردية قد يحقق لي ولغيري مصلحة ، اما ذلك الجانب الاقتصادي فلا يمكنني ان اتصور تحقيقه لأي مصلحة لي وان حققها لغيري؟؟؟
نحن اذن ننظر الى ذوايا نفعية ففي افضل الفروض لا تعزب النفعية عن قناعات البشر حتى ولو كانت منافع روحانية مجردة. ان الذين يهاجمون الصوفية يدافعون في الواقع عن قناعاتهم ، ويبحثون عن استقرار زائف ، ومن يهاجمون السلفية كذلك ومن يهاجمون التشيع ، ومن يهاجمون الرأسمالية ومن يهاجمون الشيوعية ، انهم يعودون الى ما قلته سابقا اي الى مصيدة الدوغما بدون وعي ... ولكن في النهاية هناك منفعة ... وقد قيل بالمنفعة كفلسفة وقيل بعكسها وقيل بالاخلاق وقيل بعكسها ....وهكذا...
لا تسألني ابدا اذا ما كنت مقتنعا برأي أبديه ... فهذا في الواقع سؤال شديد التعسف ... في عالم منثور الزوايا ... رغم انه دائري...