الضوء المظلم؛ الاستقلال في عيده الثاني والستين ذكرى تتجدد.. وآمال تتبدد.. بقلم ابراهيم اسماعيل ابرا

الضوء المظلم؛ الاستقلال في عيده الثاني والستين ذكرى تتجدد.. وآمال تتبدد.. بقلم ابراهيم اسماعيل ابرا


01-02-2018, 10:30 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1514928637&rn=0


Post: #1
Title: الضوء المظلم؛ الاستقلال في عيده الثاني والستين ذكرى تتجدد.. وآمال تتبدد.. بقلم ابراهيم اسماعيل ابرا
Author: ابراهيم اسماعيل ابراهيم شرف الدين
Date: 01-02-2018, 10:30 PM

09:30 PM January, 02 2018

سودانيز اون لاين
ابراهيم اسماعيل ابراهيم شرف الدين-
مكتبتى
رابط مختصر






لم يعد الاستقلال عند السودانيين سوى يوم ينظمون فيه الحفلات كغيرهم من شعوب العالم ابتهاجا بحلول عام جديد تتجدد فيه احزانهم وتتحطم احلامهم بتحقيق السلام والاستقرار في دولة ديمقراطية مدنية ولم تختلف الانظمة التي تولت زمام الامور في البلاد عن المستعمر الا في استخدام العنف والقوة المفرطة لاخضاع السودانيين لسلطتها المطلقة؛ عن اي استقلال نتحدث والسودان تحول الى رماد تزروه الرياح بسبب حريق الحروب الاهلية والقتال الداخلي؟؟

وتمكنت الولايات المتحدة الاميركية بعد الاستقلال من ارتياد الفضاء والتحكم في العالم اقتصاديا وعسكريا كما تفوقت في مجال البحث العلمي والابداع الصناعي. ولكن ظل السودان في تراجع مستمر منذ خروج الاستعمار البريطاني في 1 جانوير 1956ف الذي رغم سيطرته المطلقة على الاقتصاد والموارد شهد السودان في عهده استقرارا وتطورا نسبيا مقارنة بالحقبة التي تولى فيها القيادات الوطنية زمام الامور في البلاد التي تتصدر قوائم الفساد والتخلف الحضاري بسبب استشراء الحروب؛ وترك البريطانيون الذين غرزوا بذور الفتنة بين الشمال والجنوب السودان موحدا وخاليا من اي وجود اجنبي بالكثافة التي يشهدها اليوم.

وادت الحرب الاهلية التي اندلعت منذ خروج الاستعمار البريطاني بين الشمال والجنوب الى تقسيم البلاد ولكن لم تتمكن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي خاضت اطول حرب في افريقيا ضد اعداءها بالخرطوم من تأسيس دولة دمقراطية في جنوب السودان الغارقة في الفساد منذ استقلاله عن الشمال عام 2011ف ونشبت حرب طاحنة بين قبيلتي النوير والدينكا التي تسيطر على السلطة ومفاصل دولة جنوب السودان في ديسمبر من العام 2013ف عقب محاولة انقلاب فاشلة قادها مشار للاطاحة بنظام سلفاكير الذي اصبح رئيسا للحركة الشعبية خلفا لمؤسسها الراحل العقيد جون قرنق الذي قضى في حادث تحطم طائرة عام 2005ف.

وتعود جذور التمرد الى سياسة الاستعمار البريطاني الداعمة للفتنة والكراهية التي برزت في عهد المهدية بين السودانيين؛ المدة التي قضاها السودانيون في القتال فيما بينهم طوال الخمسين عاما كانت كفيلة ببناء الثقة بين ابناء الوطن الواحد وجديرة باستئصال جذور الفتنة والكراهية التي دمرت النسيج الاجتماعي وضربت الوحدة الوطنية في مقتل بسبب سياسة التمييز العنصري والتفرقة القبلية التي استوحتها الانظمة والاحزاب الحاكمة من المستعمر وهي ما مهدت لوصول السودان الى وضعه الحالي الذي تتضاءل معه اي فرصة لتحقيق السلام والاستقرار.

ولم تسع الانظمة بالبلاد منذ خروج الاستعمار الى مخاطبة جذور الازمة التي ادخلت السودان في فوضى الحروب الاهلية ولكن ظلت تعمل على توظيفها في تمكين وجودها واستمرارها في السلطة دون امتلاك رؤية ومشروع وطني يهدف الى تطوير البلاد وتحقيق الرفاهية للشعب القابع في مستنقع الجهل والفقر المدقع؛ وفيما تتبنى الحركات المسلحة مشروع ديمقراطي يؤسس لدولة مدنية تعاني هي الاخرى انشقاقات قبلية وصراع دامي على القيادة يحطم اي امل بحدوث التغيير المنشود.

وكان الدكتور لام أكول المنتمي لقبيلة الشلك ثالث اهم قبيلة بعد الدينكا والنوير وقع اتفاقا مع حزب المؤتمر الوطني فيما عرف باتفاق الخرطوم للسلام رفقة الدكتور ريك مشار عام 1997ف قاد انشقاقا عن الحركة الشعبية في مؤتمر كنانة قبل استقلال الجنوب بعامين مؤسسا فصيلا جديدا باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان – التغيير الديمقراطي واشتهر أكول بخروجه المتكرر عن الحركة منذ 1990ف. وعلى غرار كنانة تمخضت مؤتمر حسكنيتا عام 2005ف عن تفكيك ما يسمى حركة تحرير السودان الى قبائل وعشائر حيث وقع فصيل بقيادة سليمان اركو مناوي المنشق عن حركة عبدالواحد نور اتفاقا مع الخرطوم في نفس العام وما لبث ان عاد الى صفوف التمرد مرة اخرى متهما النظام بتهميشه والتنصل من الاتفاق ولكن ما زال يرفض مناوي منذ تمرده الاخير الانضواء تحت قيادة نور الذي ظل ثابتا في موقفه الرافض للتفاوض مع الخرطوم.

وفيما تتمسك حركة العدل والمساواة بتوجهاتها الاسلامية تطرح حركة مناوي التي تعتنق العلمانية حق تقرير المصير ضمن الحلول لنزع فتيل الازمة في اقليم دارفور بينما ترفض الوحدة مع حركة تحرير السودان الام التي انهكتها الهزائم والانشقاقات بخروج القادة المؤسسين ومنهم خميس عبدالله (كودونج) المنحدر من قبيلة المساليت وابوالقاسم امام الذي عاد الى الخرطوم مؤخرا وهو ما يبرز عمق الصراع الفكري بين حركات دارفور المسلحة وسيادة ثقافة الكراهية القبلية والتقوقع العشائري داخلها الامر الذي ينذر باستحالة وجود هذه التناقضات في دولة مستقلة موحدة. وتستغل الحركات المسلحة الازمة الانسانية للضغط على الخرطوم في المحافل الدولية ولكن نجحت الاخيرة في مساومتها بلمفات امنية مع الغرب ولاسيما الولايات المتحدة الاميركية التي خففت من تصعيد لهجتها ضد النظام في مجلس الامن وشرعت في تطبيع العلاقات معه ورفع العقوبات الاقتصادية عنه.

ويقضي الانكفاء القبلي والبعد الجغرافي الذي يضع جبال النوبة والنيل الازرق في جزريتين منعزلتين على احلام النوبة وطموحات الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تعاني بدورها صراعات داخلية باعلان الاستقلال عن السودان.

واصبحت الحركات المسلحة في اقليم دارفور خالية الوفاض ولم تملك بجعبتها خيارا غير تحريض اللاجئين والنازحين على البقاء بمخيماتهم كورقة اخيرة تستخدمها لاجبار النظام على التفاوض ولكن عودة اللاجئين الى قراهم التي اجبروا على مغادرتها يضمن لهم استعادة الارض التي اصبحت تحت سيطرة المستقدمين الجدد فيما لم تؤمن المفاوضات سوى مناصب ومخصصات مالية ضخمة للمتمردين.

واشعل السودانيون ثورتين شعبيتين تمكنوا خلالها من الاطاحة بنظامين ديكتاتورين في اكتوبر 1964ف وافريل 1985ف ولكن لم يختلف حزب الامة الذي فاز بالانتخابات بعد الفترتين الانتقاليتين اللتين اعقبتا ثورتي اكتوبر وافريل عن نظامي عبود ونميري في تبني المشروع العروبي الذي اسس لاحقا لتمزيق السودان واذكاء الحروب الاهلية. يذكر ان قوانين سبتمبر التي تبناها نظام مايو قادت الى اسقاطه وانهيار اتفاق اديس ابابا في عام 1983ف الذي اعلن فيه قرنق عن ميلاد حركته وجيشه الشعبي لتحرير السودان.

وكلفت الحروب الاهلية التي اشتعلت قبل خروج الاستعمار البريطاني السودانيين خسائر فادحة بلغت مليارات الدولارات فقدوا خلالها ملايين الارواح وبينما فشل مشروع السودان الجديد في تحقيق تطلعات الجنوبين نجح المشروع الحضاري في تفكيك الوحدة الوطنية حيث لم يضع الانفصال حدا للحرب في وبين البلدين ولكن ما زالت فرصة الوحدة وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية مواتية امام السودانيين في حال تمكنهم من تجاوز هاجس العنصرية والتمييز الثقافي.

ويتهم المتمردون النظام في الخرطوم بممارسة التهميش الثقافي ضدهم ولكن الصراع القبلي الذي عصفت بوحدة الحركات المسلحة في اقليم دارفور والحركة الشعبية لتحرير السودان في جبال النوبة والنيل الازرق يبرز عمق الازمة السودانية التي لن تنتهي بوصول المتمردين الى السلطة, ومنذ فبراير 2003ف تشهد اقليم دارفور احداث عنف دامية خلفت ملايين الضحايا قادت الى تدخل دولي بعد تفاقم الازمة الانسانية وفر الاف القرويين الى تشاد وافريقيا الوسطى بسبب الحرب التي لا يبدو لها نهاية في المستقبل القريب.