عن كوش والتماسيح بقلم محمد عبد المجيد أمين ( براق)

عن كوش والتماسيح بقلم محمد عبد المجيد أمين ( براق)


11-22-2017, 05:52 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1511369565&rn=1


Post: #1
Title: عن كوش والتماسيح بقلم محمد عبد المجيد أمين ( براق)
Author: محمد عبد المجيد أمين(عمر براق)
Date: 11-22-2017, 05:52 PM
Parent: #0

04:52 PM November, 22 2017

سودانيز اون لاين
محمد عبد المجيد أمين(عمر براق)-الدمازين-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

بسم الله الرحمن الرحيم



في منتصف الثمانينات كنت مشغولا بتجهيز مسرحية كوش والتماسيح للعرض لحساب المسرح القومي بأم درمان ، بالتعاون مع نخبة من والفنيين ، إذ كان مضمون النص يدور حول التنقيب عن الآثار في السودان وقد تتطلب ذلك زيارة المتحف القومي للآثار كل يوم تقريبا ، لاعداد وتجهيز الفنيات من ملابس وديكور وملامح وإكسسوارات والتعرف علي البيئة المحيطة من خلال المصورات في محاولة لإستلهام روح النص من التراث

لفت انتباهي آنذاك ، صورة ضخمة تتصدر بهو المتحف ، عبارة عن عالم آثار " أجنبي " يظهر رأسه من حفرة ينقب داخلها وقد تحلق حوله مجموعة من العمال المحليون ، يظلون عليه بعباءة حماية له من حرارة الشمس. كانت الصورة تشرح بكل بساطة ووضوح أين نحن من هؤلاء ، والفرق بين روح المغامرة وبذل المال طلبا للعلم المعرفة ، وبين الاتكالية الثقافية وأخذ الأمور بمسلماتها دون فحص أو تمحيص . مؤكد أننا لا ننكر فضل هؤلاء العلماء الأكاديميون ( أخص بالذكر العلامة شارل بوانيه) الذين نقبوا وكشفوا لنا عن الكثير من آثار أجدادنا ، بينما نحن نهز برؤسنا علامة للدهشة والاعجاب ، بل نكرر ما يقولون وكأنه من المسلمات ، بينما التاريخ الحقيقي للقرون الأولي " علمها عند ربي في كتاب" وكل المطلوب منا هو الإستفادة منها بالعظة والإعتبار بمعرفة التفاصيل الحياتية لهؤلاء الأجداد ، والإستفادة من عناصر التراث وجعلها متاحة للمزارات السياحية ومصدرا لجلب العملات الصعبة .

يتعرض نص " كوش والتماسيح " لنفس الجدلية ، اذ يقوم عالم الآثار الفرنسي
" شامبليون " حسب النص ، بمحاولة فك رموز وطلاسم مخطوطة هيلوغريفية استعصت عليه ( حجر رشيد) فيأتي " رطاني " ود بلد ، يأخذها منه ويقرأها بكل سلاسة ووضوح . ولمن يتابعون تاريخ الآثار يعلمون جيدا أن نظرية "شامبليون " في ترجمة النصوص " الهيلوغريفية " قد تقوضت فيما بعد ، حسب كثير من الدراسات الحديثة والتي أكدت أن منهج شامبليون في فكه للرموز كان يعتمد علي " التخمين " ، اذ وضع كل جهده في معرفة القيمة الصوتية للحروف القبطية والاغريقية القديمة وراح يفسر ما يقابلها من رموز " هيلوغريفية " وعلي هذا الأساس وضع ترجمته ، بينما المعروف أن البحث العلمي لا يعتمد علي التخمين* راجع مصادر كثيرة بالشبكة العنكبوتبة حول نفس الموضوع.
كان المقصود من هذا الموقف ليس التهكم وانما الحث علي بذل الجهد الوطني لمحاولة التركيز علي فهم علم الآثار من منظور قومي والحقاظ عليها وتهيئة المناخات السياحية بإشهارها والدعوة لزيارتها .

ركز نص المسرحية أيضا علي مسألتي نهب الآثار ومحاولات الإستئثار بالثروة القومية من طرف أقلية علي حساب الشعب ، وبالرغم من اكتمال كل جوانب العرض ، الا أن المسرحية نفسها لم تعرض أبدا، ربما لأسباب تعرفها ادارة المسرح القومي آنذاك ، ولكن ما أردته من هذا الاستدلال ،وبصرف النظر عن اختلاف الفترة الزمنية وطبيعة النظام الحاكم انذاك والحالي اللذان يتصفان بالتجاهل التام لأهمية الآثار وعلاقتها بالتاريخ الحقيقي لهذا البلد ، هو تلك الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية مؤخرا للمتحف القومي ، وخرج بهذه الإفادة الصادمة " وأقر البشير بإهمال المواقع الأثرية بالبلاد، وقال إنها عرضة للاعتداء من قبل الأهالي بأعمال مشروعة أو غير ذلك، وشدد على دراسة الواقع هناك، مطالباً بتحديد هذه المواقع وكيفية الحفاظ عليها من أي تعديات سواء أكانت حكومية أو أهلية" . ألم يكن من الطبيعي والمنطقي أن يزوده وزير السياحة والأثار ومستشاروه يتفاصيل كاملة عن الآثار ومواقعها قبل الزيارة !؟. من المفارقة أيضا أن تتم هذه الزيارة في نفس الوقت الذي تم فيه إفتتاح متحف أبو ظبي للأثار!!.

من المعلوم للقاصي والداني أن سرقة ونهب ثروات البلاد لا زالت كما هي ، لم تتغير ، بل تمادت لتصل لدرجة الجهر بها علانية واعتبارها من " الممدوحات" ، فنهب الآثار نسمع عنه من آن لآخر والثروة القومية بكل أشكالها تنهب في كل يوم ، ولكن هذا المرة علي مسمع ومرأي من الحكومة .... لماذا ؟. الهذا الحد هانت الأمور واصبح كل شئ " مباح" !؟.
لابد من الإشارة إلي أنه سبق وأن ردت بريطانيا للسودان قطعا أثرية مسروقة من المتحف القومي كانت تباع في شوارع لندن، وبالرغم من وجود قوانين لحماية ألاثار السودانية(قانون 1999) الا أن الحكومة لا تلقي بالا لأهمية الآثار ، ولا تبذل أي جهد لاسترداد المنهوب منها والمعروض في كثير من متاحف العالم ، كما أن أحكامها علي الجناة دائما ما تكون غير " مغلظة" وغالبا ما تكون السجن مع وقف التنفيذ .

الدمازين في :22/11/2017م.

محمد عبد المجيد أمين ( براق)