من يمثل الاسلام؟ بقلم د.أمل الكردفاني

من يمثل الاسلام؟ بقلم د.أمل الكردفاني


09-18-2017, 10:35 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1505770552&rn=0


Post: #1
Title: من يمثل الاسلام؟ بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 09-18-2017, 10:35 PM

09:35 PM September, 18 2017

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر






ترددت كثيرا مقولة أن داعش لا تمثل الاسلام.. أو أن القاعدة لا تمثل الاسلام أو أن الصوفية لا تمثل الاسلام ، وهكذا فكل فعل مستهجن لدى فئة أخرى يتم استبعاده من كونه ممثلا للاسلام ، ومن ثم استبعاد الطائفة او المذهب أو التيار الفاعل لهذا النشاط كونه طقسا او حكما شرعيا . وازدهرت وانتشرت صورة لشيخ يدعى زاكر نايك وتحتها مقولة مفهومها ان من يريد ان يعرف الحقيقة عليه ان يرجع الى الاسلام لا الى المسلمين؟
ومن يرددون هذه المقولات ليسو العوام من الناس فقط ، بل هم كشيخ زاكر نايك وغيره من الشيوخ الذين يمارسون سلطة كهنوتية لتأويل النصوص التأسيسية ونسبتها الى المتعالي دون خجل.
وقبل أن نفكك هذه الاجابة المتكررة والفاشية ؛ سنسأل سؤالا مفتاحيا ، وهو سؤال لا اجابة له في الواقع ؛ انما المقصود منه تهيئة العقل المسلم لتلقي الحقائق برحابة وقبول. والسؤال هو: إذا كانت داعش أو تنظيم القاعدة او أيا ما كان من تيارات ومذاهب وطوائف لا تمثل الاسلام ؛ فمن يمثل الإسلام إذن؟
إذا قالت أي طائفة أنها هي وحدها التي تمثل الاسلام فعليها أن تثبت قبل كل شيء ؛ أن فهمها للنصوص التأسيسية هو الفهم الحامل وحده للحقيقة المطلقة ؟ وهذا ما لن تتمكن منه لاستحالته عقلا مادامت هذه الطائفة لم تتلقى وحيا الهيا مباشرا بحيث يعترف به الكافة .
وفقا لهذه الحقيقة فنحن آما أن نسلم بأن كل المذاهب والطوائف تمثل الاسلام ، ومن ثم ففهمها للنصوص التأسيسية رغم نسبيته لكنه يستند ولو الى شذرة من دلالتها الإشارية . او نقول أن كل هذه المذاهب لا تمثل الاسلام وهكذا يضحى الاسلام كائنا منفصلا عن كل فهم جديد للنصوص التأسيسية ومن ثم فهو كائن في حقيقته خفي جدا ، ولا يمكن الامساك به أو ربما يكون منعدما.
إن الاحتمال الأول هو الذي يرد عموما في عقل كل صاحب مذهب او منتم اليه او متعاطف معه . احتمال أن يكون فهمه هو الأكثر اتصالا مع الافصاح الالهي عن الارادة العليا (ترستندنتالية) . هذه الحالة تقابلني بوضوح بل ولا تخفى على أحد حينما تبدأ المناظرات المتسمة بالحدة بين اصحاب المذاهب والطوائف والتي تنطلق ليس من نسبية الفهم بل من حيث تكفير الآخر والعمل على اثبات كفر الآخر عبر استخدام فهم خاص للنصوص التأسيسية .
فأنا كصاحب مذهب لا أضع اي احتمال لخطأي في فهم النص ، بل على العكس أنا اعتبر نفسي ناطقا عن النص ولست مفسرا له . وهذه في الواقع ثقة لا يمكن ان ترد الا في عقلية جهولة ، متبلدة ، غير قادرة على استنفار منطق الاختلاف والمفارقة بين الذات الفاهمة والنص التأسيسي. حقيقة هذا شيء يمكن ان يبهرنا جدا ، لأننا لا يمكن أن نتوقع -كمفككين للمعطيات الكونية والانسانية- وجود دوغمائية لحد النرجسية في عالمنا الحالي ، هذا العالم الذي يمكن بضغطة أصبع ان ينفتح على كافة المعلومات الكونية والانسانية التي نرغب في التعرف عليها. هذا العالم الذي يضحضح المطلقات جميعها ويحولها الى سراب بقيعة ، هذا العالم الذي يذهلنا بمكنيكيته الفائقة التعقيد ، والتي كلما توغل فيها العقل البشري اكتشف انها تقلب كل ما كنا نعتبرها مسلمات غير قابلة للنقاش كما فعلت ميكانيكا الكم مثلا.
عندما نتساءل من يمثل الاسلام ، نحن في الواقع نتساءل عمن يملك أقصى قدرة على استنباط المدلولات من الدوال ، على تفكيك النصوص بشكل تجذيري دقيق للغاية وعميق للغاية بل ومرهق للغاية بل ومستحيل للغاية ، لتكون الاجابة بالنفي طبعا.
النص التأسيسي ليس تعبيرا عنا فنحن لسنا المتحدثين به بل المخاطبين به ، وهو ككل نص يمكن ان يرد في هذا الكون كتابة او تكلما او اشارة او رسما ، يكون قابلا لآلاف التأويلات بل الى ما لا نهاية من التأويلات لو استخدمنا مفهوما رياضيا كالحاصل الكارتيزي مثلا. لذلك من ذا الذي يملك كل تلك الجرأة ليعلن على الملأ بأنه من يمثل الاسلام؟
إننا عندما نصل الى هذه النتيجة بهذه الأدوات المنطقية البسيطة نصل الى محورين... اما أنه لا يوجد اسلام أساسا ، حين تصبح كل التأويلات غريبة عن جوهرانية النص . أو أن كل هذه التأويلات تعبر عن شريحة صادقة من المقصد الكلياني الاستعلائي (الترستندنتالي) ولا يوجد خيار ثالث آخر . فهذه القضية لا يمكن أن يكون لها حد أوسط أساسا.
عندما يقول زاكر نايك ؛ ان مذهبا ما لا يمثل الاسلام فهو في الحقيقة لا يطعن فقط في تأويل النص ، بل هو اولا يطعن في تأويله هو أيضا للنص وبالتالي يفقد زاكر نايك سلطته المبدئية في الحكم على الآخرين بأنهم يمثلون أو لا يمثلون الاسلام. ناهيك عن أن يعتبر نفسه هو ممثلا للاسلام. بل أنه وحينما يفعل ذلك يجرد الاسلام من وجوده هو ايضا ، ليتركه كائنا سابحا في موت عظيم.
هؤلاء -كزاكر نايك وخلافه- يقعون في هذه الورطة المنطقية ، العميقة جدا ، يغرسون أطرافهم كلها في رمال متحركة لا قرار لها . إذن فالقول بأن فئة ما لا تمثل الاسلام هو قول يصادر على كل شيء بمافي ذلك الاسلام نفسه ، بل ويصادر على سلطة القائل نفسه وسلطة النص. لنقع في دائرة مفرغة داخل العماء.