قضية العقل العسكري بقلم د.أمل الكردفاني

قضية العقل العسكري بقلم د.أمل الكردفاني


09-17-2017, 04:44 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1505663052&rn=0


Post: #1
Title: قضية العقل العسكري بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 09-17-2017, 04:44 PM

03:44 PM September, 17 2017

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر



في قصة قصيرة كتبتها قبل عشرين عاما تقريبا وضاعت ، تحدث الضابط عن الجند للراعي آدم فقال: انك يكفي أن تشير للجندي بأن ذاك هو العدو ليبدأ في القتال..
ما يسمى بالعقيدة القتالية قضية يمكن حصرها في الضباط ، او في قلة من الضباط ، لأن العقيدة تتغير فرديا بل قد لا تتوفر أساسا لدى الجند. فكرة التعسكر أو ان يصبح الشخص جنديا رغبة داخلية في السادية المختلطة بالمازوخية ، فالجندي في ساحة التدريب يتعرض لأهانات متواصلة من قبل المدربين ، حيث يتم توقيفهم في بيادة لساعات ، ومحاسبتهم على اي هفوة ، وتعليمهم الخضوع المطلق للأوامر ، أي المازوخية باقصى ما يمكن ان نعرفها ، وفي المقابل يتم تدريب الجندي على القتل الوحشي ، على اطلاق الرصاص على انسان اخر او طعنه بالسونكي او حتى ذبحه ، وهذا هو الحد الأقصى للسادية . من يتم رفدهم أو اقالتهم من العسكرية يعانون نفسيا معاناة شديدة ، لأنهم خرجوا من البيئة السادية والمازوخية التي ترعرعوا فيها ، ولو كانت العسكرية عقيدة قتالية لانتهت الرغبة فيها بانتهاء الحرب ، لكن الرغبة في القتل -وليس العقيدة- هي الدافع للصبر المطلق على الخضوع والسيطرة ،؛وما يسمى بالضبط والربط.
ان الانسان يولد حرا ، ومقدرا للحرية ، وحيا ومقدرا للحياة ، أما العسكرية ، فهي في الواقع عبودية وعدم ايمان بالحياة.
آن الجندي مطلوب منه ألا يفكر بل ينفذ بدون تفكير ، ويقال أن الجندي لو فكر فسينهزم جيشه لا محالة ، أي يشترط في الجندي أن يصبح متلق أعمى للأوامر ، قصة مالك بن نويرة وخالد بن الوليد حيث أمر خالد احد الجند بقطع رأس مالك بن نويرة رغم ان هذا الأخير اعترض على اعتباره كافرا ، ولكن الجندي الذي أطاع الأمر ما كان له أن يفكر ولو لثوان في هذا الأمر ، بل بسرعة ، استل سيفه وهوى به على قفا مالك بن نويرة ، هكذا بدون تردد وبدون اي تساؤلات . وهذا حال أغلب الجند ، لا يفكرون ، بل لا يقدرون خطورة بعض الأوامر عليهم هم أنفسهم ، ولذلك يمارسون بالتأكيد همجية من العنف والدموية والسادية المركزة على من يشار اليه لهم بأنه عدو . ليس لهم ان يقوموا بأي تقييم سياسي ، ومن ثم فإنهم قد يتلقوا اوامر متتالية ومتناقضة ، مرة بقتل فئة ما باعتبارها معادية ، ومرة بالقتال الى جانب ذات الفئة ، وما عليهم سوى الاذعان.
الجندي قد يقاتل في جيش دكتاتور وطاغية ، ولكنه لا يأبه لكونه مجرد كلب حام لهذا الدكتاتور وعائلته المترفة والمتخمة ، لأن الجندي لا يقاتل لمصلحة واعية ، بل بدوافع نفسية هي الخضوع والقتل اي ممارسة المازوخية والسادية . ولو فكر الجندي قليلا في هذه الحقائق لما كان جنديا أساسا ، فعندما شنت أمريكا حربها على فيتنام لم يتوانى الكثير من الشباب الامريكي في الانخراط في الجيش ، لم يكن هدفهم هو تأكيد الديموقراطية أو الوقوف في وجه المد الشيوعي او خلافه ، لأن كل هذه نظريات لا يهتم بها الجندي ، لقد انتهت الحرب ، بسبب من لم يخوضوا هذه الحرب من المثقفين والرياضيين والسياسيين وغيرهم ، حيث نبهوا الجنود الى أنهم يقاتلون بدون مبرر ، وحيث قام الرأي العام الامريكي المستنير بالضغط على الادارة الامريكية لايقاف تلك المهزلة الدموية . وكما ذهب الجنود الى فيتنام بأوامر عادوا منها أيضا بأوامر . فليس للجندي ان يخضع نشاطه القتالي للمنطق بل للأوامر فقط ..الأوامر بكل تجريدية وبكل لا عقلانية.

في وضعنا نحن في السودان ، وضعنا السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسلطوي ، حيث الكل ضد الكل ، وحيث الجنود يقتلون بلا دية ولا قصاص ، وينال القواد والضباط النياشين والمناصب السياسية هم وأوبنائهم ، سنجد في هذا الوضع قمة العقل العسكري على نحوه النموذجي ، أي العقل المصمت اللا مفكر ، اللا متحرك . الاف يقاتلون لحماية نظام دكتاتوري قمعي ، لحماية من يقضون اجازاتهم خارج الدولة ويركبون السيارات الفارهة ويمتلكون الشركات الضخمة وينعمون بالملايين من الدولارات ، ويتعالجون في المستشفيات الفخمة ، ويرتدون جلابيبهم ناصعة البياض وعماماتهم الكبيرة ويتعطرون بأغلى العطور ثم يقضوا لياليهم في الانس والمرح ، الجندي لا يفكر في ذلك كله ، لأنه خاضع للمنظومة التي تعتبر بيئته المثالية ، تقدير ما اذا كان يقاتل من أجل الحق أم الباطل شيء بعيد جدا عن تفكيره ، وفي المقابل ، يقاتل الجنود في القوات التي تقودها قوى معارضة ، حيث الجندي فيها في الواقع لا يعمل عقله وتفكيره في حقيقة مطالب هذه القيادات ، إن الشعارات التي تطلقها القيادات في الواقع غير مهمة كثيرا ، وهو أساسا لا يعرف ولا يريد أن يعرف ، ان من يقوده لقتل نفسه أشخاص أصحاب طموحات شخصية واسعة ، إن الجندي في الواقع مخلوق خلق لتزهق روحه من أجل هؤلاء .. إنه الكائن المضحي دوما عن طيب خاطر ... كالبقرة الحلوب في شبابها المذبوحة في كهولتها..