ظل النص والفقه..هل الحديث عن الشريعة وهم؟ بقلم د.أمل الكردفاني

ظل النص والفقه..هل الحديث عن الشريعة وهم؟ بقلم د.أمل الكردفاني


09-16-2017, 05:00 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1505577602&rn=1


Post: #1
Title: ظل النص والفقه..هل الحديث عن الشريعة وهم؟ بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 09-16-2017, 05:00 PM
Parent: #0

04:00 PM September, 16 2017

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر






قدم الباحث القدير محمد بن محمد الخراط مقالا ثريا جدا عنوانه (الشريعة واصلاح التشريع) .. وهو مقال منشور على موقع (مؤمنون بلا حدود) ، وما يهمني في هذا المقال الثري ، مناقشته الموثقة وفق المنهج العلمي السليم لمفهوم الشريعة الاسلامية ، وما وضح تماما من أن هذا المصطلح القلق غير مستقر على معنى واحد ، فيقول مثلا: "
يطلق لفظ الشريعة إذن، على الدين عموما كما يطلق على كل الفرائض والأحكام والحدود، ويمكن أن يطلق على الأحكام الواردة في الكتاب والسنة فقط، ويرد أحيانا في معنى الشكل التعبدي المقابل للحقيقة القلبية كما عند المتصوفة، ويمكن أن تقابل الشريعة العقيدة؛ فتكون بمعنى أحكام المعاملات والآداب دون أحكام العبادات. ومع ذلك، يبدو أن الاستعمال الشائع للشريعة اليوم صار يضم " كل أحكام الدين ونظم العبادات وتشريعات الجزاءات والمعاملات، وما جاء في السنة النبوية وما تتضمنه آراء الفقهاء وتفاسير المفسرين ونظرات الشراح وتعاليم رجال الدين". (العشماوي، 1992، ص 30). "
، لكن بغض النظر عن هذا الاضطراب الحاصل عند استخدام المصطلح بدلالات مختلفة ، فإننا سنجد أن خطاب الاسلام السياسي كله انصب على دغدغة العامة بفكرة ضرورة تطبيق الشريعة الاسلامية على شعوب هي مسلمة مسبقا ، فعندما استولى الإخوان المسلمون على السلطة رفعوا شعار تطبيق الشريعة الاسلامية ، فانتشى الشعب المتدين بطبعه لهذا الشعار الرنان ، والذي يضفي هويته على الدولة باعتبارها مؤسسة ويثبتها ويرسخ لها.
استخدم الاسلام السياسي المسيطر هذا الشعار من خلال مدلول تشريعي أكثر منه أخلاقي ، ونحن نعرف الفرق بين الأخلاق والتشريع ، فإذا كان التشريع قد يستند الى الأخلاق فليس بالضرورة أن تستند الأخلاق إلى التشريع (أنظر المدرستين الأخلاقية اللا وضعية ، والمدرسة اللا أخلاقية الوضعية- فلسفة القانون - روبرت اليكسي).
اذن فالاسلاميون السياسيون -وهذا أكثر صوابا من مصطلح الاسلام السياسي- فهموا الشريعة باعتبارها تطبيق للنص القرآني والنص في السنة.. ، وكان هذا بداية لاحتكار مدلول النص سياسيا لفئة محددة ، وهذا الاحتكار من قبل الإخوان سبقه احتكار لمفهوم الأخوة الإسلامية داخل طائفتهم ، ففي سورة آل عمران ؛ شملت الأخوة الاسلامية كل من آمن بالنبي ووحد الله :(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)) وفي سورة الحجر:(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47)) وفي سورة الحجرات:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)). كل هذه الآيات جاءت على وجه العموم ، فجميع المؤمنين على حد سواء إخوة ، إلا أن الإخوان المسلمين خصصوا النص بغير دليل ، واحتكروا الأخوة الاسلامية فيمن اتبع مفاهيم سيد قطب ، وتعاليم البنا ، ومن ثم أقصوا كافة المسلمين من أخوة الاسلام بغير مسوغ شرعي ؛ بل أكثر من ذلك فهو مخالف للشرع ومنتقد .
وبالعودة لشعار تطبيق الشريعة هجم الاسلاميون السياسيون المنتصرون عبر العسكر أول ما هجموا على سلطة التشريع -يلاحظ ما سبق ذلك في عام 1983 من عملية احلال قانونية كاملة لما يسمى بالشريعة الاسلامية وفق مفهومهم- هجم الاسلاميون على التشريعات جلها ، وحاولوا بقدر ما يملكونه من فهم قاصر نقل الفقه الاسلامي الكلاسيكي الى داخل القانون ، رغم ضعف فهمهم للفقه الاسلامي وللقانون على حد سواء ، فخرجت لنا قوانين مشوهة لا هي منسوبة للاسلام ولا هي منسوبة للقانون. وبدأت عمليات صب الخمر على زجاجات البيبسي ليكون حلالا لشاربه ، كما وصفها والدي ،؛بحيث يطلقون مسميات اسلامية على معاملات لا تتفق في حقيقتها تطبيقيا مع رؤية الفقه الاسلامي ، كتسمية الفوائد بالارباح ، وكتسمية التأمين التجاري بالتأمين التكافلي وخلافه بما يؤكد على عجزهم عن التخلي عن حقائق الحاضر ومطلوباته القانونية والاقتصادية واستبدالها بمفهوم الشريعة الذي لم يبدأوا أولا بتفكيكه من أجل منحه حدودا معينة قابلة للتطبيق. نفس هذه الدعوات رأيناها من قبل الاسلاميين السياسيين في الأردن ومصر وتونس وسوريا وخلافه ؛ حيث رفع الشعار قبل تحديد المضمون ليفيض عن حافة الكوب فيجرف الايجابي والسلبي من واقع المجتمعات معه.
وأيا ما كان الأمر ؛ يمكننا أن نلاحظ قضية شديدة الخطورة ، وهي أن استخدام مصطلح الشريعة الاسلامية بهذا الشكل لا يفصل بين الدال والمدلول في النص سواء كان النص في القرآن أو السنة ، وعليه فإنه وباللزوم لا يفصل بين النص وفهم النص ،؛ويترتب على ذلك احتكار مذهبي أو طائفي كامل لمفهوم النص ، بحيث يقصي كافة المفاهيم الأخرى ، وكافة الطوائف والمذاهب المختلفة ، ويتم ذلك تحت شعار الشريعة الاسلامية. إن مصطلح الشريعة قد يعني النص نفسه ، وقد يعني مفهوم النص ، وهذا اختلاف كبير يجب ملاحظته ، فبهذا الاختلاف نستطيع أن نحدد إن كانت الشريعة حقيقة أم وهما. فلو قلنا بأن الشريعة هي النص ، لوقعنا في معضلة كبيرة ، لأن هذا يعني جمودها ، وعدم حركتها ، فالنص بذاته ليس كائنا حيا يفضح نفسه ، بل النص ليس أكثر من مركب لغوي ، أي عبارة عن محاذاة متصلة لعدد من الكلمات والمفردات بشكل يعكس تعبيرا للمخاطب (بكسر الباء) عن محتوى داخلي غير متجسد أي معنوي . النص بذاته لا ينطق ، وانما ينطق عنه الرجال أي (المخاطبون) -بفتح الطاء ، وهنا نأتي للاحتمال الأكثر رجحانا ، وهو أن الشريعة آنما تعني ما نستنبطه (عبر فهمنا الذاتي للنص بماهو مفارق) من احكام ، نعم ، فالنص مفارق ، وغيري ، وموضوع ، وفهمنا للنص هو اسقاط ما اختبرناه ابستمولوجيا على مفردات هذا النص . على سبيل المثال ؛ عندما نقرأ آية الكرسي ، فإن كلمة كرسي قد يفهمها البعض -وفق خبرتهم- بأنه ذلك الشكل الخشبي المربع الذي يرتكز على اربعة قواعد ، وقد يفهمه البعض على أنه العرش ، وقد لا يفهمه البعض الآخر بتاتا. وكلمة كطرائق (قددا) ، ليس في معاجم اللغة معنى لمفردة (قددا) فتختلفت التفاسير باختلاف فهم كل مفسر للنص ، وكلمة والسارق والسارقة ، والتي فرضت عقوبة شرعية على السرقة هي القطع ، لم يستطع الفقهاء الاجماع او الاتفاق على مكوناتها وعناصرها القانونية أي الاركان والشروط ، فبعضهم نظر للسرقة باعتبارها الأخذ خفية وبعضهم لم يشترط الخفية وبعضهم اشترطها ابتداء وليس انتهاء ، وبعضهم تطلب الحرز وبعضهم لم يتطلبه ، وبعضهم اشترط النصاب وبعضهم لم يشترطه ، وبعضهم اعتبر تجريم السرقة حماية للملكية وبعضهم اعتبرها حماية للحيازة ...الخ . هذا رغم أن النص واحد ، لكن كما قلت فإن النص لا ينطق بنفسه ، فهو ليس سوى دوال ثابتة ، فلو قلنا بأن الشريعة هي هذه الدوال الثابتة لما بلغنا أي مبلغ من العلم ، أما ان قلنا أن الشريعة هي فهمنا لهذه الدوال فنحن لم نخرج عن اطار الفقه بنسبيته وعدم خضوعه لأي قداسة . ومصطلح الشريعة مادام يعني استنباط الأحكام وتطبيقها فهو مصطلح تمويهي جدا ، لأنه يمنح غير المقدس قداسة لا محل لها ، واطلاقا بلا وحي.. إن مدلول النص لم يكن ليحمل اي حقيقة مطلقة الا في عهد الرسول (ص) ، وبوفاة الرسول أصبحت كل مدلولات النص نسبية ، قابلة للتطوير ، وقابلة للازاحة بل والالغاء . إننا عندما نصف شخصا باعتباره فقيها ، فهذا لا يعني نفخه الروح في النص ، بل نعني أنه يعمل في ظلال النص ، وهذا العمل يتم وفق منهج أصول الفقه باستكشاف الدلالات عبارة أو اشارة أو خلافه.