مشاعر الدولب واشكالية القضاء والقدر في العقل السوداني بقلم د.أمل الكردفاني

مشاعر الدولب واشكالية القضاء والقدر في العقل السوداني بقلم د.أمل الكردفاني


09-06-2017, 03:34 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1504708494&rn=0


Post: #1
Title: مشاعر الدولب واشكالية القضاء والقدر في العقل السوداني بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 09-06-2017, 03:34 PM

02:34 PM September, 06 2017

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




قضية القضاء والقدر كانت حاضرة في علوم اسلامية كثيرة كعلم الكلام والفلسفة الاسلامية ، وكذلك في الفقه ..
والقضاء هو الحكم والنفاذ لغة واصطلاحا هو ما كتبه الله على مخلوقاته من تغير واختلاف وغيره . والقدر هو علم الله بكل ذلك مسبقا قبل وقوعه .
أيا ما كان الأمر فهناك آيات في القرآن في مسألة القضاء والقدر تقاطعت فحاول بعض الفقهاء ازالة التعارض بينها مثل:
مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) النساء..
وآية : أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) النساء.
ففي الاولى تكون الحسنة من الله والمصيبة من نفسك ، وفي الثانية فكلاهما من عند الله.
لذلك فقضية القضاء والقدر شائكة جدا ، غير أن المجتمع لدينا يستسهلها كتبرير وتسبيب للأشياء ، فمثلا تحدث كارثة انتشار وباء الكوليرا فيقول البرلمان أن هذه الاشكالية قضاء وقدرا ، ثم أن مشاعر الدولب وزيرة الضمان والتنمية الاجتماعية اعتبرت أن تلف محصول الذرة في القضارف قضاء وقدرا ، وهذا استخفاف كامل بالله وبقضائه وبقدره ، بل أن بعض أولياء الدم قد يعفوا عن قاتل واحد منهم باعتبار الموت قضاء وقدرا ، وقد يتجاهل أهل المريض موت مريضهم بسبب اهمال الطبيب أو المستشفى بحجة أن الموت قضاء وقدرا ...الخ .
إن الايمان بالقضاء والقدر لا ينفي أبدا الدور الانساني من اهمال أو خطأ او عمد أو عدم اكتراث وترتيب المسؤولية المناسبة على ذلك ، لو كان الأمر بغير ذلك لتوقفت المحاكم عن تلقي القضايا والدعاوى ، ولانتهى الأمر الى فساد عظيم ، حيث يخضع المؤمن عبر حجة القضاء والقدر لقمع المجرمين والمهملين والمتسيبين ، وﻷدى ذلك الى الى انتفاء المساءلة لانتفاء المسؤولية بل والى رد الشرور كلها الى الله وهذا لا يجوز.
فكرة أننا كائنات سلبية مبرمجة لا ارادة ولا اختيار لها تعني أن نتواكل عن الانجاز والابداع ، لأننا خاضعون بالكامل للقضاء والقدر ، وهذا ضد وظيفة الانسان البيولوجية والانطولوجية على حد سواء.
لا يمكن أن يكون رد مشاعر الدولب بأن تلف محصول الذرة قضاء وقدرا فيصمت الجميع، هذا عطل عقلي بل وسذاجة لا بأس بها .
في قنات ناشيونال جيوغرافيك ، هناك برنامج يتعرض لكوارث غريبة حصلت ، بدون سبب واضح كسقوط طائرة فجأة ، او انهيار ملهى ليلي...الخ ، طبعا يمكن تبرير هذه الحوادث والكوارث بأنها قضاء وقدرا ، هذا اذا لم يخرج لنا بلة الغائب فيقول بأن الطائرة وقعت في مملكة الجن ، كما قال عن الطائرة الاندونيسية.. ليكون تبرير القضاء والقدر أخف على قلوبنا من تبرير بلة الغائب سيد العجائب.
في برنامج ناشيونال جيوغرافيك هذا يتم تشكيل تيم من المحققين والخبراء ، ويبدأ في دراسة وتحليل كل ملابسات الكارثة ، وبشكل حلقي تضيق دائرة الاحتمالات الى أن يتم اكتشاف السبب الصغير والعجيب واللا مرئي الذي أدى الى الكارثة ، ... متابعة هذا البرنامج مشوقة جدا ، لأنه يخرجنا من التوقعات والأسباب العادية والمعممة الى ماهو غير متوقع وغير عادي.. فمثلا في قضية اصطدام طائرتين في مهبط مطار بريطاني رغم وجود ملاحين وموجهين من قمرة المراقبة ، تبين أن السبب هو اجراء أحد الركاب مكالمة صغيرة من هاتفه الجوال أفضت اشاراتها الى قطع لمدة ثانيتين للاتصال بين الموجهين وبين كابتن الطائرة فكلمة (لا تهبط) وصلت الى كابتن الطائرة (اهبط) لأن كلمة (لا) اخفتها اشارة الراكب التلفونية. فهبط الكابتن بالطائرة واصطدم بالطائرة الأخرى فحصلت الكارثة.
نعم لكل شيء سببا فاتبع سببا... ولو ظللنا نلقي كل كوارثنا على القضاء والقدر كما فعلت مشاعر الدولب ، وكما يفعل أهل المريض ، وكما يفعل الشعب السوداني في كثير من الحالات .. فسنظل دائما تحت وصاية أوهامنا ، وسنفقد الايمان بتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقنا ببذل العناية اللازمة في القيام بأمورنا.