ميتة وخراب ديار بقلم د.أمل الكردفاني

ميتة وخراب ديار بقلم د.أمل الكردفاني


08-31-2017, 08:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1504206216&rn=2


Post: #1
Title: ميتة وخراب ديار بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 08-31-2017, 08:03 PM
Parent: #0

07:03 PM August, 31 2017

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




المصري توفى والده ، وهو من أصول صعيدية ، والصعايدة اهل كرم وواجب مثل اهل العوض عندنا ، فما أن سمعوا بخبر الوفاة حتى استنفروا كل الاقارب في الصعيد ، وتشاركوا باصين وتدافعوا داخل البصين وهم يكبرون ويحوقلون ، والعمدة بذات نفسه لف عمامته البنية ووراءه الحرس وشيخ الغفر ، واستقلوا جميعهم الباصين في رحلة طويلة للعزاء ... غالبا العزاء في مصر يتم في الجامع بتكاليف بسيطة شاي وقهوة ويستمر العزاء لصلاة العشاء ويفرنقع القوم وينتهي الامر بشكل عملي جدا ، لكن الصعايدة تأخروا ووصلوا الى منزل ابن المتوفى .. فارسل العمدة من يطرق الباب ليعلن خبر حضورهم للابن ، طرق حرس العمدة الباب وانتظر ، مضت دقائق حتى ارتدى الابن جلبابه الصعيدي وفتح الباب ليعرف شخصية الطارق فتفاجأ بحرس العمدة.. ثم نظر الى اسفل العمارة فوجد باصين ممتلأين بأهله الصعايدة ، وبلسان متلعثم سأل الحرس عن سبب حضورهم فقال له:
- الله..انت مش ابوك الحج تعيش انت برضو؟
فقال ابن المتوفى:
- انت مسمعتش بالمثل اللي بيقول اللي خلف مماتش؟
فأمن الصعيدي على ذلك قائلا:
-ايوة صحيح .
فقال الابن:
- وأبوي خلفني ..يبقى مماتش ..ابوي لسة حي..روح قولهم الكلام دة.
اقتنع الحارس وذهب واخبر الجميع بكلام الابن فصاح العمدة:
- أيوة صحيح .. اللي خلف مماتش يا جدعان..يلا بينا عالبلد..
وهكذا طفقوا راجعين الى البلد...
وبهذه الخدعة البسيطة تخلص الابن من مشكلة اطعام هؤلاء وانامتهم واستضافتهم .. كانت استضافتهم ستكون وبالا عليه بالتأكيد.
في واقعنا السوداني تتحقق هذه الكارثة بحذافيرها ، نعم ، ينتقل الميت الى الرفيق الأعلى ، لكن اهل المتوفى ينسوا الميت تماما وينشغلوا بالكارثة القادمة... فعليهم تقديم وجبات طعام وشراب لمدة ثلاثة ايام على الاقل ناهيك عن الشاي والقهوة والسكر والشاي باللبن مساء والزلابية وذبح ما لا يقل عن اربعة او خمسة خراف وتنويع الاطباق بين ملوخية وبطاطس وسلطة باذنجان وضلعة وكمونية وويكة وخلافه مما لذ وطاب ، وهذا يتطلب تأجير طباخين ان لم تتبرع نساء الحي بالطبخ ، ناهيك عن كميات كبيرة من غاز الطهي أو الفحم والخضروات المتنوعة وجركانات الزيت للطهي ، طبعا لا نحتسب هنا الصيوان الذي يجب استئجاره وهو مكون من اعمدة حديدية وستائر ضخمة تسقف السماء وتحيط بالقضبان ، ومئات الكراسي ، وفتح منازل الجيران لمبيت القادمين من السفر ، والقيام بأعباء الضيافة من تقديم الاكل والشاي والقهوة والزلابية وخلافه ، هذا مع ضرورة تنظيف المنزل ، وبحسبة بسيطة فان العزاء يكلف فوق الطاقة والجهد الكبيرين مئات الالاف من الجنيهات .
فمالذي يحصل من المعزين؟
بعد الدفن ينتشر المعزون في مقاعدهم واسرتهم في الصيوان وداخل المنازل لتلقي واجبات الضيافة ، يبدأ التحادث بين الجميع حول قصة وفاة المتوفى ، كيف مات واسباب الموت ، وفي اي مستشفى ، فيقوم أهل الميت كل بحسب قدراته الحكائية بقص القصة وتكرار القص لكل معز على حدة ، في احدى العزاءات قام والد المتوفى باستجلاب مايكروفون وحكى قصة وفاة ابنه على الجميع لوقف سيل الاسئلة الانفرادية حولها.
بعد قليل وبعد أن يشبع المعزون فضولهم ، يتحول العزاء الى صالة للنقاشات المختلفة، السياسية والرياضية والنكات المضحكة والفواجع والجائحات ...الخ.. تستمر هذه الونسة لمدة ثلاثة ايام متتابعات ، ويصاب اهل المتوفى بالارهاق والتعب ولكنهم يتحملون باصرار وصبر واجبات (الفراش)، وهناك بعض ممن لا علاقة لهم بالمتوفى ، ولا يقطنون حتى في نفس حيه ومنطقته ولكنهم متخصصون في اقتحام بيوت العزاء ليأكلوا مالذ وطاب مع الجموع (دبايب) ... ، تنتهي الثلاثة ايام ، وينسى أهل المتوفى ميتهم من التعب والجهد والمشقة ، ومع ذلك قد يمتد العزاء بشكل خفيف لعدة أشهر بتلقي زيارات خفيفة ممن لم يسمعوا بخبر الوفاة او ممن كانوا على سفر او مرض ، ...
الموت عندنا ليس موتا فقط بل خرابا حقيقيا للديار بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، انفاقا لآلاف الاموال بلا سبب على اشخاص يتسامرون لمدة ثلاثة ايام . انها كارثة تحتاج الى شجاعة الصعيدي الذي رفض الاذعان لقواعد الواجب بحجة أن (اللي خلف مامتش).

Post: #2
Title: Re: ميتة وخراب ديار بقلم د.أمل الكردفاني
Author: محمد فضل
Date: 09-01-2017, 06:12 AM
Parent: #1

كل عام وانت والوالد وكل الاهل بخير ابننا العزيز امل الكردفاني ... نعم يختلف نمط الحياة واسلوب المعيشة عن السودان ومصر الشمالية اختلاف الليل عن النهار وكلما اتجهت جنوبا تقاربت المسافات والعادات والتقاليد واسلوب العيش حتي اذا ماوصلت مناطق التماس حيث القبائل المشتركة من نوبه وجعافرة وخاصة مدن اسوان ومنطقة دراو تنعدم الفوارق الي حد كبير ..
السودان كان مضرب المثل في التكافل الاجتماعي العفوي والتلقائي الذي يخلو من التكلف واذكر علي سبيل المثال لا الحصر اننا مع عدد محدود جدا من الناس كنا بصدد دفن شخص غريب متوفي في احد مقابر الحاج يوسف الطرفية في مواعيد الافطار في شهر رمضان واثناء شروعنا في حفر المقبرة فؤجئنا بعدد من البكاسي متجهة الينا من القرية المجاورة محملة بصنوف مختلفة من الاكل والشرب واجبرونا علي تناول الافطار اولا ثم تولوا بانفسهم عملية الدفن ..
السودان اليوم غير الامس داخل وخارج البلاد فقد حدث تجريف خطير لمنظومة القيم وتراجعت روج النجدة والمرؤة والمبادرة والناس مجبرين علي ذلك بسبب العسر والضيق الذي نشره المتاسلمين بين العالمين.
في الجارة الشقيقة مصر اسلوب العيش خاصة داخل المدن الكبري يحصر مناسباتهم الاجتماعية المختلفة في حدود في دار المناسبات ولكن الامر يختلف كما قلت كلما اتجهت جنوبا وخاصة محافظة الشرقية المعروفة بالكرم واسلوب العيش الجماعي والتكافلي.
sudandailypress.net