لم يكن زمناُ جميلاً تماماً بقلم محمود محمد ياسين

لم يكن زمناُ جميلاً تماماً بقلم محمود محمد ياسين


08-02-2017, 06:23 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1501694614&rn=0


Post: #1
Title: لم يكن زمناُ جميلاً تماماً بقلم محمود محمد ياسين
Author: محمود محمد ياسين
Date: 08-02-2017, 06:23 PM

05:23 PM August, 02 2017

سودانيز اون لاين
محمود محمد ياسين-
مكتبتى
رابط مختصر




هذه كلمة تعليقا على مقال ” كان للثقــافة دار أمام القصر الجمهوري“ – الراكوبة 30/7/2017 للأديب المحترم محمد المكى إبراهيم الذى تناول فيه حال العمل الثقافى فى الفترة من أواخر خمسينيات القرن المنصرم إلى أوائل سبعينياته التى وصفها بالزمن الجميل.

تناول الشاعر الكبير مقولة الزمن الجميل فى مجال الثقافة ويبدو أن تفسيرها، خلافاً لكونها مجرد حنين للماضى (nostalgia)، يكمن فى نسبيتها مقارنة بتوجهات نظام الإنقاذ الظلامى الذى تمدد لفترة فاقت العقدين من الزمان. كما لا مجال لإنكار ان النشاطات الثقافية للزمن الذى أشار إليه الشاعر تحتوى على إشراقات تحمل إضافات ثرة فى نطاق الحداثة والتقدم. فمثلاً هناك الشاعر العبقرى محمد عبد الحى الذى صاغ التناقضات التى يعج بها المجتمع السودانى شعراً فى قصائده....وفى مجال الموسيقى جمعة جابر، الموسيقار التقدمى الذى الف كتابات عظيمة فى مجال النقد الموسيقى؛ وجابر بنظرة ثاقبة لفت الإنتباه إلى أن مشكلة الموسيقى فى السودان ليست فى تبنى السلم الخماسى بل فى وضع التركيبة الإجتماعية المتخلفة للبلاد التى تحول بين الموسيقى والتطور، وضرب مثلاً بالصين حيث أن تقدم السلم الخماسى فيها يعزى للتقدم الحياتى النسبى هناك.....وكذلك فى الفن إستطاع عبد الكريم الكابلى بثقافته العالية وإلمامه الموسوعى بالفنون الشعبية السودانية من تقديم اروع الاعمال الفنية، كما أن مهارته الفنية- فى مجال التلحين خصوصاً- هيأته لإحداث مساهمة ضخمة فى وضع ألحان أخرجت الغناء من الرتابة الميلودية. وهناك الكثير غير هذه الأمثلة.

وتلك الإشراقات كانت فى أغلبها أعمالاً قصدية سابحة ضد تيار الأفكار السائدة البالية وهذا ما إضطلع به بشكل واعى المثقفون الذين تشربوا بالافكار التى تحمل المعانى الجديدة لمفاهيم وقيم الديمقراطية والحرية والعدل والمساواة،. لكن تلك الومضات المستنيرة والمُنوِّرة لا تنفى أن الحالة العامة للسودان فى المجال الثقافى كانت غارقة فى بحور من الظلام فى الفترة المذكورة؛ وهى حالة مثلت إنعكاساً للحياة المتخلفة سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً. فالسياسيون التقليدون الذين آلت لهم السيادة السياسية بعد زوال السيطرة الإستعمارية المباشرة دشنوا حكمهم بمعاداة الحركة الجماهيرية (جودة 1956) وتجيير وظائف الدولة لصالحهم تحت الشعار المخادع (تحرير لا تعمير)،الخ، وإستخدموا فى سبيل التضييق على الأفكار المعادية لهم أحط الاساليب لمداهنة الجماهير والتلاعب بعواطفها وتاجيج غرائزها.

إن أبعاد النشاط الثقافى تتحدد في سياق التحولات الاجتماعية عبر الزمن الذى ظلت تتوالد منه على مدى العقود الستة السابقة نظم الحكم المستبدة الواحد تلو الآخر. وكلما تقدم الزمن صار بطش الحكم أشد قسوة وصارت السباحة ضده اكثر صعوبة ومحفوفة بشتى أنواع المخاطر .