*لا أتابع القنوات السودانية بعد الإفطار.. *فأنا أحفظ ما تقدمه - منذ سنوات - عن ظهر (وجع) قلب.. *فإما تشويه لأغاني الكبار...بواسطة الصغار.. *وإما سخف كوميدي يحاول انتزاع الضحك من المشاهدين بحركات أشد سخفاً.. *وإما إعلانات تفتقر إلى أبسط مقومات الجذب الدعائي.. *فأغلب ما يقدم عبر قنواتنا يعوذه الخيال الخلاق.. *وهذا النوع من الخيال هو حلقة الوصل بين شذرات كلمتنا الرمضانية هذه.. *ولأن شاشاتنا تخلو من هذا الخيال فهي تدور في حلقات مفرغة.. *حلقات التقليد...والتكرار...والاجترار...والاستنساخ.. *حتى الضيوف يتنقلون بين شاشة وأخرى...استغلالاً لشهوة (الظهور) في دواخلهم.. *أو كما قال زميلنا دقش...يهرولون عند أول (رنة).. *ولكني أتابع برنامجاً على شاشة مصرية اسمه (شيخ الحارة).. *فهو ينضح إبداعاً...وإدهاشاً...وخيالاً...وإيقاعاً متسارعاً للأسئلة والأجوبة.. *لا كما عندنا هنا: بطء حارق للأعصاب في كل شيء.. *في الأسئلة...في الأجوبة...في حركة الكاميرا...في الفواصل التي بطول السؤال.. *والأهم من ذلكم كله...الفقر المدقع في الخيال الخلاق.. *وكتاب أعيد قراءته للمرة الرابعة- في أمسيات رمضان- يجمع بين خيالين.. *الخيال الخلاق الذي يتجلى سلاسةً في رشاقة السرد.. *والخيال الذي قد يكون محض خيال مغرض...أو فيه شيء من الحقيقة.. *فهل المهدي- وقادته - كانوا يعيشون فعلاً حياة مزدوجة ؟.. *هل كانوا يبدون زاهدين في العلن وشهوانيين في السر؟...هذا ما يقوله سلاطين.. *والكتاب- طبعاً- هو (السيف والنار في السودان).. *ويزعم أن المهدي كان ينتقي لنفسه أجمل السبايا...ومن بعده خليفته عبد الله.. *ثم يتدرج جمال السبايا من بعدهما- هبوطاً- حسب تدرج القادة.. *وتمتلئ البيوت بالزوجات، والسراري، والجواري، والسبايا.....يقول سلاطين.. *كما تمتلئ بأطايب تُلتهم بعيداً عن أعين عامة الناس.. *وربما يكون خيال سلاطين قد شطح بعيداً- في هذه الجزئية - بدافع من الحقد.. *وربما حلق قريباً من الواقع بدافع من أمانة التوثيق...لا ندري.. *أما الخيال الخلاق الذي أبهرني فهو الذي تبثه قناة ناشيونال جيوغرافيك مساءً.. *تبثه في وقت تتمايل فيه قنواتنا- بسلامتها- طرباً.. *تبثه عبر سلسلة عن حياة آنشتاين- الخاصة والعامة- بعنوان (العبقري).. *فكل نظرياته التي أذهلت العالم تخلقت خيالاً في عقله.. *وللسبب هذا قال قولته الشهيرة: العلم الذي لا يقوده الخيال لا يتجاوز حدود المعقول.. *وفي رواية أخرى يقول: الخيال أهم من العلم.. *ولكن خياله الذي جلب له النجاح العلمي هذا لم يجلب له النجاح الأسري.. *فالفشل كان هو العنوان العريض لكل حياة زوجية عاشها.. *وربما السبب (افتقار زوجاته إلى الخيال !!!). assayha