إن للتاريخ جولات وصولات . لم نكُن نعلم بعُمق أثر التاريخ علينا إلا بعد أن أرخى الليل سُدوله وأطبق علينا . رأينا مواضينا ، دون مواضي البشرية ، أكثر رحمة من حاضرنا البائس . يقول البعض : إن الماضي هو البذرة التي جنينا منها بعد زمن الحنظل . ويقول آخرون : إن كل شاة مُعلقة من عرقوبها ، تجني ما زرعتْ. حين نهض رئيس مجلس السيادة " البروفيسور التجاني الماحي " بعد أن أعياه الجدل الدائري ، وضعف حصيلة كثيرين ، فكتب في استقالته الضاوية المشهورة " إنهم لا يعرفون التاريخ "
(2)
لم نزل نحن نركُض ، لنتعرف أكثر على أدوار المثقفين في السلطة ، حجمهم ، طموحاتهم ، وطنيتهم ، حجم الحرية في اتخاذ القرار ، حجب التفويض . بسفائنهم المتنوعة ، ومراكبهم الشراعية ، يتبتّلون بأفضل ما في اللغة : مزجاً ورقة ودقة ، وخزائن وارفة من اللغات العامية ، والعربية. جربوا كل شيء واصطدموا بحوائط لا تُقهر . لما نزل نحاول أن نقرأ الدفوع كلها ، كي ننهض من جديد، بعد أن نعتبر مما مضى . لم أزل أذكر الراحل الأستاذ " علي محمد صديق " ، عندما كان يفاخر بأن " مايو " قد اختارت أكثر المناكب علواً ، في شأن العلم والمعرفة والخبرات . لعلّ أبناء الوطن يهبون لرفعته . فهل كان الأمر كذلك ؟
(3)
أسئلة كبرى تنتظر من يستعدوا لقراءة التاريخ . بعد أن هجد الجميع من الصراخ والعويل والبكاء ، لينظروا إلى الماضي بنظرة ، موضوعية : لمَ اجتمعوا هم ، هناك . أهو داع الوطن ، أم هي الرؤية الأحادية : لماذا لا يخدُم الواحد منهم وطنه ، وبأي وسيلة تتوفر ، حتى لو كان قائدهم عسكري ؟! أشياء كثيرة تختمر في بطن التاريخ ، وأرجو ألا نستثار ، بالشعارات ، ولكن لننظر كيف اجتمعت أمم من أهل الثقافة : منهم " جعفر محمد علي بخيت " الذي قال عن مزاد الأراضي بالخرطوم لأول مرة :( الأرض سلعة مُشتهاة) ! . أو القفز بالعمود : وهي خصيصة يتم بها القفز برشاقة عبر المحطات الوظيفية ، لاعتبار الإبداع الوظيفي أو العمل بمثابرة ، فكانت هزيمةً لمعيارية الأقدمية . سلسلة من الأساطين الثقافية من التكنوقراط ، بتخصصاتهم ، وتفرُّدهم منهم : إبراهيم منعم منصور ، جمال محمد أحمد ، منصور خالد ، موريس سدرة ، مأمون أحمد إبراهيم ، سيد أحمد الجاك ، طه بعشر ،مهدي مصطفى الهادي، عمر الحاج موسى ، موسى المبارك ، أمين الطاهر الشبلي ، أحمد محمد الحسن ، جعفر محمد علي بخيت ، أحمد عبدالرحمن العاقب ، يحي عبد المجيد ، منصور محجوب ، محمد عبد الله نور ، حسن عابدين ،... وآخرين .