جُل ما يدفعني لعدم الكتابة عن مثلث حلايب ( السودانية ميه في الميه ) ، إطلاعي و إيماني التام بسلبيات التأثير الإعلامي على مجرى الملفات الدبلوماسيه بين دولتين لهما خصوصيتهما العلائقية تاريخياً و مستقبلياً كمصر و السودان ، و لكن حلايب ستظل حنظلاً في حلقي و في حلوق كل السودانيين الغيورين على كل ذرة تراب في هذا البلد روتها دماء الشهداء من أسلافنا عزاً و كرامةً و فخراً ، و حتى لا أخوض في أمر حلايب للسبب المذكور آنفاً سأكبح جماح فكري و قولي في إنتظار ما سُتسفر عنه ( خطة و إستراتيجية ) حكومة المؤتمر الوطني بخصوص ضمان بقاء أو ( عودة ) حلايب الحبيبة إلى السودان ، داعياً ربي أن لا يكون منظور معالجة قضيتها مُستمداً من نفس المعايير و السيناريوهات التي أفقدتنا جنوبنا الحبيب ، ثم أقول ما علينا من هذا و ذاك و لنتابع ما تناقلته وسائل الإعلام أمس الإثنين عن تصريح ممثل دائرة الفشقة بالمجلس الوطني النائب المُستقل مبارك النور و الذي تضَّمن إستيائه من زيارة والي القضارف برفقة وفد رفيع المستوى من الوزراء الولائيين لمدينة مقلي الإثيوبية عاصمة إقليم التقراي حيث تم تكريمه و من معه هناك ، و بحسب إفادة النائب مبارك النور فإن الزيارة كانت ( مهرجانية ) و بعدد كبير من المرافقين و المواكب مما يُعتبر إهدار للمال العام ، هذا من ناحية و من ناحية أخرى فإن تلك الزيارة من ناحية بروتوكولية تعطي مؤشرات دبلوماسية تفيد وصول طرفي النزاع فيما يتعلق بالتعديات الأمنية و الزراعية و الرعوية التي تتعرض لها محلية الفشقة و التي هي أيضاً بكل فخر و تأكيد ( سودانية ميه في الميه ) ، إلى نوع من التطبيع الضمني أو شئ من قبول المتضرِّر بالواقع الراهن ، و المُتضرِّر الأساسي و المباشر كما نعلم هو إنسان الفشقة و حكومة السودان ، منذ الخمسينات و منطقة الفشقة تتعرض إلى تعديات إثيوبية في مجال الأراضي الزراعية التي تم إستصلاحها بآليات حكومية إثيوبية على مرأى و مسمع من احكوماتنا السابقة ثم تمادت الظاهرة إلى أن وصلت مرحلة التعديات الأمنية التي راح ضحيتها الكثير من السودانين المدنيين العُزُل من أبناء الفشقة و ما حولها ، و ذلك بواسطة حملات للنهب المسلح المُنظَّم تقوم به عصابات إثيوبية ، حسب تقديري الشخصي على مرأى و مسمع من السلطات الإثيوبية التي وصلتها الآلاف من الشكاوي الرسمية و الأهلية دون أن تُحرِّك ساكناً في مجال كبح جماح المارقين عن القانون و الذين يستغلون تساهلاً ملحوظاً في التحرك عبر المنافذ الحدودية التي تحرسها الجهات الأمنية و العسكرية الإثيوبية ، في بعض المواقف عندما يطول الأمد الزمني لسياسة ضبط النفس و الإسترسال في الركون إلى الحلول الدبلوماسية و الرسائل الغير مباشرة ، تصبح مُقدّرات البلاد و أرضها و كرامتها و عزتها على المحك ، و لهيب النار يبدأ من مستصغر الشرر ، و دونكم التعقيدات التي طالت قضية حلايب في السنوات الأخيرة نتيجة سياسة ( الكياسة و الطناش ) ، نحتاج إلى إدراج أمر الفشقة ضمن أجندة تفاوض و تفاكر على مستوى القمة السودانية و الإثيوبية ، كما يبقى التساؤل مطروحاً حول زيارة والي القضارف إلى إقليم التقراي فحواه : هل تم التنسيق مع وزارة الخارجية و التأكد من توافق الخطوة مع إستراتيجية البلاد و الوزارة ( إن وُجدت ) فيما يختص بالوصول إلى حلول ناجعة و نهائية مع إثيوبيا بخصوص الفشقة ؟؟.