ما قدمه نصر حامد أبو زيد ومحمد سعيد العشماوي ومحمد أركون كحداثويين من مفهوم تاريخية النص الديني ؛ قد أثار العديد من الشبهات حول موقفهم الحقيقي من الدين من ناحية ، كما شكك بعض الروابط والقوانين والمبادئ الأصولية حول تفسير النص وتأويله ، وأدى مفهوم التاريخية-رغم وجاهته- إلى الاعتقاد بإعدام النص تماما من حيث كونه صالحا لكل زمان ومكان مادام هو نفسه خاضعا للزمان والمكان ، واستقطاعه من سيرورته. ما أقترحه هنا هو التحول إلى مفهوم صيرورة النص ، أي الانتقال من تاريخية النص المغلقة إلى زمكانية مفتوحة ، بحسب تدرج الوقائع وبحسب العلة التاريخية نفسها ومدى انطباقها على حالات معينة ضمن سياق التاريخ؛ فلا مندوحة في أن النص ولد متحركا ، سواء من حيث مصدره الثقافي ، أو من حيث أسبابه وعلله ، التي يدور معها وجودا وعدما ، ولكن هذا لا يعني اعدام النص ، بل اعتباره لازال متحركا في درجات طرحه بحسب درجات وعي المخاطبين فيه ، فهو في علاقة طردية مع الوعي. فلنعط القليل من الأمثلة : الخطاب الكلي جاء في سياقات كاشفة عن القوة المطلقة الكلية وعلاقتها بالمتناهي من حيث كونها خالقة وعلة أولى للوجود ، هذا الطرح ميتافيزيقي ، وكان لابد له من أدلة وبراهين ، وكانت البراهين تنحصر في فكرة تحطيم العرق الناسوتي ونواميس الطبيعة ، كان لابد للخطاب اللغوي أن يتعضد بمعجزة صادمة للوعي الطبيعي ، هذا الخطاب إذا صح كما انتقل إلينا عبر المدونات المقدسة فإنه يعني مواكبته لسقف الوعي المنخفض الذي اتسم به المخاطب البدائي ، كما اتسمت الجزاءات بالمباشرة وبالتدخل عبر قوى الطبيعة ، فلما تطور وعي المخاطبين بحيث أنهم هم أنفسهم صاروا بسخرون الطبيعة بقوانينها وانعطافاتها لمصالحهم ، جاء الخطاب المطلق معبرا عن فكرة التناسق والعلل والأسباب ، بحيث ترتبط الظواهر بأسبابها والنتائج بعللها ، أي أن الخطاب جارى سقف وعي المخاطبين ولم يقف عند أفقه القديم ، فالنص إذا؛ يتبع صيرورته ، وإذا كانت المجتمعات اليوم متباينة في درجات الوعي فإن النص بقديمه وحديثه يخاطبهم بكافة أسقفهم المعرفية، ومن ناحية ثانية ، فإن ما نقول به يعني -بدون أدنى شك- أن النص قابل للتمدد وللنسخ والمحو النسبيين بحسب الواقع. فالواقع ينسخ النص دون اعدامه ، فهو يظل باقيا ومشتغلا على المستويات الأدنى للمخاطبين. 2ديسمبر2016