*ذهب إلى الطبيب النفسي في أمر غريب جداً.. *ووجد الطبيب نفسه يواجه معضلة هي الأولى من نوعها مذ بدأ ممارسة مهنته.. *بل لم يسبق له أن قرأ عن حالة مماثلة أبداً.. *لا خلال دراسته أو مطالعاته أو تخصصه في الخارج.. *وطفق يسأله عن حياته ودراسته وأسرته وعمله وتجاربه العاطفية.. *سأله عن كل الذي ظن أنه قد يعينه على الفهم .. *ولكنه لم يزدد سوى جهل ودهشة وحيرة.. *تفرس فيه متأملاً فوجده شخصاً في غاية من الأناقة.. *وما يحظى به من ذكاء يشع من عينين نصف مغمضتين.. *وفضلاً عن ذلك به مسحة من وسامة لا تخطئها العين.. *وبعد نصف الساعة من المقابلة لملم أطراف ذاته وسأله (طيب لماذا؟).. *كرهت الحياة يا دكتور ولا أريد أن أعيشها واعياً.. *هكذا أجابه عن سؤاله وهو يعبث بحافظة أقلام أمامه.. *وذهب ذهن الطبيب في اتجاه بدا له أن بين جنباته التفسير.. *ذهب فيه رغم نفي زائره له عند سؤاله عن تجاربه العاطفية.. *ونفى له مرة أخرى أن تكون المرأة هي السبب.. *وأوضح له أنه لم يُصدم من إحداهن في مرحلة ما بعد الثانوي.. *أي المرحلة التي يلج فيها الشباب عوالم الجنس الآخر.. *كما سارع من نفسه إلى نفي ما حسب أنه قد يجول في عقل الطبيب.. *فهو سوي وسليم ومعافى ومنسجم مع الفطرة.. *ومحاولة منه لكسب قليل وقت تشاغل الطبيب بصب شاي لنفسه وزائره.. *قليل وقت يعينه على التفكير في الحالة التي أمامه.. *فهي أعجب حالة تمر عليه في مشواره الطبي الطويل.. *فلا هي مرضية تُصنف ، ولا غير مرضية.. *فلو كان تحدث معه عن الانتحار لكان الأمر مفهوماً إلى حد ما.. *لكان مفهوماً في سياقات مجال الطب النفسي.. *ولكن أن يطلب منه ما يجعله (مطوفشاً) فهو ما يُشكل على فرويد نفسه.. *وبعد أن احتسى رشفتين سأله عن سبب رغبته في الجنون.. *قال له بنص العبارة العامية (إنت ليه عاوز تكون مطوفش؟).. *وأذهلته إجابة الذي يبدو عاقلاً في شكله وكلامه ومسلكه وهندامه.. *قال له إن الواقع صار مجنوناً ولا يصلح للتعايش معه إلا المجنون.. *ومضى متسائلاً (ألا ترى أن الوحيدين الذين يبتسمون برضا الآن هم المجانين)؟.. *ثم أضاف (ولكن هؤلاء جنونهم طبيعي وأسعى وراء جنون مصطنع أنا).. *وشعر الطبيب أنه لا بد له من إنهاء المقابلة.. *قبل أن (يطوفش !!!). assayha