الخواجة طارق (رواية: حلقة 1) بقلم د. محمد بدوي مصطفى

الخواجة طارق (رواية: حلقة 1) بقلم د. محمد بدوي مصطفى


01-20-2016, 10:57 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1453327053&rn=0


Post: #1
Title: الخواجة طارق (رواية: حلقة 1) بقلم د. محمد بدوي مصطفى
Author: محمد بدوي مصطفى
Date: 01-20-2016, 10:57 PM

09:57 PM Jan, 20 2016

سودانيز اون لاين
محمد بدوي مصطفى -Germany
مكتبتى
رابط مختصر



mailto:[email protected]@badawi.de

حملتها سيارة سوداء لامعة الطلاء بلون العزاء. توحي بشعور غريب، شيء كالموت. أقلتها من مكان اقامتها المؤقتة إلى هذه الساحة للشروع في مهمة خارقة للعادة؛ خيوطها بدون بداية فضلا عن نهاية. مهمتها طيلة سنيّ البحث المضنية التي عاشتها قبل أن تحضر إلى هنا، هي أن تمسك بطرف الخيط. توقفت السيارة أمام مقهى امتدت طاولاته وامتلأت بالزبائن على طول الرصيف. أشرقت من داخلها حسناء عشرينية، سحبت نفسها بتأني من المقعد الخلفي تستعد للخروج. لثم بلاط الرصيف موضع حذاءها وكعبه العالي! صوت الحذاء على الأر

ض: "طرقعة"، وإيقاع منتظم "طق طق طق" يصاحبه عبق عطر أخّاذ. ترتدي بنطلون أسود لامع مدموغ عليها كما ولو أنه لم يخلق لغيرها! يجسّم قسمات غدها الميّاس فينبثق عنه قوام سامق. وقفت في رشاقة مظهرها تعدّل بلوزتها. فضحت اللحظة فتنة الجسد ولونها الزمرديّ. نهدان منتصبان في تناغم. انتصبت معهما في التوّ قلوب ممن وقعت أبصارهم عليها. خبطتهم صاعقة شهوانية وقعت عليهم من السماء وهم في قعدتهم تلك. المعذبون في الأرض! تظاهرت بعدم الاكتراث. لم تحفل...! خطت خطوات متأنية يزايلها صوت الكعب بتردد منتظم. ابتعدت عن السيارة وعن عينيّ السائق اللات لم تكفُّا تلتصق بها كظلها. جفلت المهرة بعيدا عن أعين رواد المقهى المنهمكين في نشوة اللهو وقرقرة الأراجيل. تسير خجولة بادئ ذي بدء. تنأى أكثر فأكثر. تبتعد عنوة عن ناظريه الجاحظين خلف زجاج السيارة. تتمشى بخطوات متأنية ثمّ جادة ثم لا تفتأ أن تحثّ خطاها حثَّا مسرعة كأنها على موعد! تختفي عن الأنظار. من الطبيعي ورغم ابتعادها أن تظلّ الأعين الزائغة ترصدها، تصاحبها، تستشف قسماتها وتحركاتها خلف أستار الحياء المصطنع. قاهرة المعز هي نقطة الانطلاق. وقفت هنيهة خلف شرطي مدججا بالسلاح. أحسّت قربه بالأمان أو شيء مثل السكينة. بدت علي وجهها علامات الغمّة والاجهاد وتوسدت بؤبؤي عينيها حيرة. تأملت، تفكرت ثم انتحت فجأة ركنا آخرا من أركان ميدان الموسكي. ألقت نظرة شاملة، فاحصة ثم مايكروسكوبية حول الموقع الذي تبدّى لها ككوكب آخر. أجهدت نفسها فتلكأت في مشتيها. أرهقتها الحال والجوّ الخانق وكادت أن تسقط من وطأة الدوران. وقفت تحت مظلة تحمي نفسها من هجير الحرّ. اغرورقت عينيها الخضراوين. أجهشت ببكاء صامت لم يفهموه لكنهم يرقبوه بجديّة. أخرجت محرمة من شنطها ومسحت عينيها من الدمع. يستغربون، يتعجبون من المخلوقة! علامات استفهام كثيرة تتوسّط حدقات أعينهم المنتصبة كانتصاب العقول المخبولة تجاهها: هل يا ترى ضرب الحنين بدواخل هذه المسكينة وترا حساسا، سالت إثره دمعات الأسى وعبرات الشوق؟! أم أنّ ثمّة ذكرى حالمة تؤرقها فتجعلها من فرط حالها تهيم وتدور وتحلم في هذا المولد كالمجنونة! كابوس؟ رمتهم برماح لحظيها مستفزّة. يقول لسان حالها: اللعنة ... بكم إلى الجحيم! رجعت إلى رشدها تتابع المشهد:

عالم آخر، خلق مختلفة الألوان والأشكال والأمثال. لفحتها أشعة الشمس المحرقة وقد انتصف عليها النهار. تحسّ نافوخها يغلي غليانا ويفور. تغشاها وهي تشاهد المارة روائح. لفحات جلبت إليها في وقفتها ريح "زفارة" ممزوجة بكفاح البشر. روائح نفّاذة امتزجت "بصناح" عرق المّارة. عيناها تعدّا وتسردا وتحصيا في صمت وتؤدة: باعة متجولين، حمير، بغال، سيارات، حصين، حافلات، زعيق، عياط، مناقصات، بيع، شراء ومئات من ميكرفونات تعج بها طبليات الباعة الممتدة إلى آخر الدنيا من هناك. تتعالى ضوضاء أرجيليّة يقطعها بين الفينة والأخرى صياح الجرسونات وطلبات الزبائن. يوم القيامة! يعلو المكان دخان خانق يكتم الأنفاس. رجعت تحيك في خيوط لغزها الجديد الذي حملها إلى هنا. تقول في سريرتها: كوكب آخر، لا، مجرة أخرى! تلتفت في حذر، شمالا ويمينا. توّلي وجهها قبلة ثم أخرى فأخرى تليها أخرى بحركة شبه مكوكية. لم يسعها الزمن من أن تتابع الأحداث المتواترة هنا وهناك. مسرح الحياة، خشبة، تنطوي عن ممثلين، كاميرات بشرية وديكور وماسك. قصص وحكايات على الهواء مباشرة لأبطال الواقع، والواقع مسرحية بلا نهاية!

تدور الدنيا بها وبالناس من حولها كعقارب الساعة دون انقطاع. شريط سينمائي ينبثق أمام عينيها الشاخصتين. تراقب بدقة وتتبع نظراتها بعضهم. تملأ عينيها بألوان الطيف من أصناف الخلق الذي تفرقعت جماعاتهم بكل أرجاء الميدان. شحذ فضولها هياكل النسوة الرافلة التي تزملها العباءات والملاحف السوداء. يهرولن في طوفان الحياة، محملات بالمتاع والأطيفال. هائمات، زاعقات ناقمات في شوارع الزحام، مسرعات مهرولات خلف سفن نوح المتهالكة للمواصلات. كلها ممتلئة بالبشر إلى النخاع. علب ساردين مكتنزة، فقدت صلاحيتها قبل حول وخريف.

تبحلق مشرئبة بعنقها، تلاحق النظرات والأحداث خلف الهياكل الراجلة أمامها. تمتعض، تثور وتغضب. تحس أنهم يحجبون عنها ما تبحث عنه. شملتها في تلك اللحظة حيرة وانتابها ارتباك. سرت في جسدها لحظتئذ قشعريرة وكأن جيوش من النمل تربض فوق جسدها البض. كشّت لهذا الاحساس الفظيع وانكمشت. تسمع مآذن المساجد تنادي، ترتاح هنيهة. تقول في نفسها، يا إلاهي، أنا هنا، هنا في القاهرة، أنا في قلب الشرق. هل يا ترى ها هنا مخبأ الهاربين وموطن المفقودين؟!

وهي لا تزال موثوقة مكبولة في حلم يقظتها هذا حتى أحسّت أن يد غليظة تمتد إلى ساعدها فجأة. أغلب الظن متصافقة. فزعت وانقبض قلبها، ابتعدت عنها بعنف لتنفك. ثم صاحت بصوت مفزع: "لا"، "كف عن هذا يا وقح"! التفت لترى مصدر الآفة، فإذا بشيخ يقف أمامها: ربعة القامة، ممتلئ الجسد تسبقه كرشة المتكورة، تستدير لحيته البيضاء حول وجهه الأسمر كهلال أوّل شوال في ليله الحالك. وقف أمامها وقورا يلبس السكنية ثوبا وقد افترّت عن فيه ابتسامة ساخرة ، ثم سائلا:

- أي مساعدة يا مزموزيل؟


--


أحدث المقالات
  • حوار مثير مع الخبير النفطي عوض عبد الفتاح عن بوادر أزمة النفط مع جنوب السودان!!
  • جهاز الأمن يُلغي ورشة المركز السوداني لدراسات حقوق الإنسان بجامعة الأحفاد..!!
  • قيادة الحركة الشعبية عشية إجتماع برلين طريقنا هو طريق الحل الشامل جاهزون للحوار والحرب والعمل من أجل
  • بيان من حركة تحرير السودان – فرنسا
  • بروف عوض إبراهيم عوض: الإعلام الجديد أصبح السلطة الأولى
  • من الإمام الصادق المهدي إلى فخامة الرئيس حسن روحاني
  • بيان و توضيح هام جداً من الجبهة الشعبية في الرد على بيان قيادة الحركة الشعبية
  • بحث ترتيبات مصفوفة انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية
  • الحبيب الإمام الصادق المهدى زعيم حزب الأمة القومي يخاطب ورشة طلاب سنجة
  • الرئيس عمر البشير: لن نفرِّط في أرض الوطن و حلايب سودانية بالوثائق
  • مطالبة في الحوار بتغيير النشيد الوطني والعلم السوداني
  • بیان صحفي من كونفدرالیة منظمات المجـتمع المدني السودانیة
  • تقرير أمريكي: تصادم الأجيال يقود «الإخوان» إلى الانهيار
  • كلمة الحبيب الإمام الصادق المهدي في أُمسية صالون عتاب الثقافي والإجتماعي
  • كاركاتير اليوم الموافق 20 يناير 2016 للفنان عمر دفع الله عن نية السودان التطبيع مع اسرائيل
  • ﻣﻬﺮﺟﺎﻥ ﺍﻟﺒﺮﻛﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍلثاني - ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍلثاني
  • بيان إلى جماهير الشعب السوداني وإلى سودانيي كندا
  • بيان من الناطق العسكري لجيش تحرير السودان حول عمليات جبل مرة
  • نزوة..قصة قصيرة بقلم الطيب النقر
  • حان الوقت للعرب لرمى وكسر أمريكا بقلم عاصم أبو الخير
  • مركز فتا والدكتورة جليلة عطاء في كل الاتجاهات بقلم سميح خلف
  • اَلْتَفَاْوُضْ مَعَ اَلْقَتَلَة عَلَى (سَفْكْ) اَلْدِمَاْءْ اَلْسُّوْدَاْنِي بقلم د. فيصل عوض حسن
  • كعادتهم في انتزاع الدهشة, الأنقاذيون يتحسسون أكفانهم بقلم المثني ابراهيم بحر
  • الي الجميع شعبا وقوي سياسية وشبابية الثورة .. الثورة .. الثورة العسكرية واﻻنتفاضة الشعبية هو الحل ..
  • الجَهْل النشِط بقلم بابكر فيصل بابكر
  • عقلاني يُصدر العقلاني عشاري خليل وإعمال التفكيك عرض د. حامد فضل الله / برلين
  • الذكري العاشرة لشهداء البجا في 29/ يناير / 2005 م بقلم ابراهيم طه بليه
  • أبو كلبشة............................!! بقلم توفيق ا لحاج
  • إرفع( الجلابية) يا شيخ/ علي عثمان محمد طه! بقلم عثمان محمد حسن
  • مأزق الاعلام السوداني بين الصحوة الغائبة والغناء على الأطلال بقلم حسن احمد الحسن
  • اختراق اسرائيلي جديد.......!!!!! بقلم سميح خلف
  • اعترافات إسرائيلية مذهلة بقلم د. فايز أبو شمالة
  • لا مفر منه ..!! بقلم الطاهر ساتي
  • شكرًا للوزيرة هذه المرة..!! بقلم عبد الباقى الظافر
  • عمر (محاسن) !! بقلم صلاح الدين عووضة
  • السودان وخريف أبو السعن بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • (شيخ) الأمين ! بقلم الطيب مصطفى
  • الحديث ذو شجون قول ليهم شفنا جبل مرة! (1) بقلم سعدية عبدالرحيم الخليفة
  • الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (82) انتفاضة السايبر وملاحقة نشطاء الفيسبوك بقلم د. مصطفى يوسف ا
  • محن سودانية ... النظر تحت القدمين بقلم شوقي بدرى
  • عذرا شعبي الفضل باي باي ......... بقلم عميد معاش طبيب سيد عبد القادر قنات
  • تغيير اسم السودان ثم تغيير اسم دارفور - مسلسل صناعة العنف بقلم محمد بحرالدين ادريس
  • مدينة الدِْريوِش وسياسة التهميش بقلم مصطفى منيغ