متى تصعد اللغات السودانية الأخرى على خشبة المسرح؟ بقلم جعفر خضر الحسن

متى تصعد اللغات السودانية الأخرى على خشبة المسرح؟ بقلم جعفر خضر الحسن


12-03-2015, 04:00 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1449154837&rn=0


Post: #1
Title: متى تصعد اللغات السودانية الأخرى على خشبة المسرح؟ بقلم جعفر خضر الحسن
Author: جعفر خضر
Date: 12-03-2015, 04:00 PM

03:00 PM Dec, 03 2015

سودانيز اون لاين
جعفر خضر -
مكتبتى
رابط مختصر



مسرحية "الحرية المرّة" ومحاولة اختراق الأفق الواحد

جعفر خضر الحسن

في ورقته المعنونة (المسرح والتعدد الثقافي في السودان ـ مداران وأفق واحد) الصادرة ضمن أوراق المؤتمر الثالث لاتحاد الكتاب السودانيين ديسمبر 2009 ، لخّص الكاتب المتميّز الأستاذ راشد مصطفى بخيت ورقته بقوله إنّ "المسرح في السودان بين مدارين مختلفين ، يتحرك أولهما صوب مركز عروبي إقصائي لا يعترف بالتعدد ولا يعترف بغير الثقافة العربية في السودان ، ويتحرك ثانيهما نحو طَرق وتناول قضايا الثقافات المهمشة لأقاليم المجموعات السودانية المختلفة ، بالتركيز على المجموعات غير العربية في السودان" .

ونصّت الورقة أنّ المدار العروبي الإقصائي يمثله الكاتب إبراهيم العبادي من خلال مسرحيته "المك نمر" التي كتبها في العام 1932 والتي جاء فيها النص ذائع الصيت : جعلي ودنقلاوي وشايقي شن فايداني/غير خلقت خلاف خلت أخوي عاداني/خلو نبانا يسري مع البعيد والداني/يكفي النيل أبونا والجنس سوداني . وقد أكّد راشد أن مسرحية "المك نمر" لا تمثل القومية السودانية ، وهي فعلا لا تمثل القومية السودانية ، وذهب راشد إلى أنّ إبراهيم العبادي تجاوز عمدا العديد من المجموعات الثقافية الأخرى التي لا تعود جذورها إلى أصول عربية ، وأنّ نزعة العبادي العروبية لم تكن نزعة بريئة المضامين بل كانت تنهض على خطاب تمييز عرقي . اشتطّ راشد هنا لأنه لم يضع المسرحية في سياقها التاريخي ، حيث كُتبت المسرحية في مطلع ثلاثينات القرن الماضي ، بناء على واقع صراع بين قبائل البطاحين والشكرية والجعليين والذي جرى قبل عام 1820 مواز لأواخر مراحل مملكة سنار . لا سعة السياق التاريخي للحدث الأصلي ، ولا سعة الوعي المجتمعي في ثلاثينات القرن الماضي ، ولا ـ ربما ـ وعي العبادي الشخصي ـ مكّنه من توسيع دائرة الرؤيا ، ليرى الفور والبجا والدينكا . وتكمن المشكلة في أن راشد اعتبر ثورة 1924 هي فاصل كامل ونهائي بين وعيَيْن وأنه بعد هذه الثورة يجب أن تنزوي القبلية تلقائيا وتملأ القومية السودانية الآفاق ، وتجاهل أن مؤتمر الخريجين ذات نفسه كان يتغنى ب"أمة أصلها للعرب" وأن القبلية الآن بعد أكثر من ثمانين عاما من مسرحية العبادي تلك هي الأعلى صوتا . إنّ وعي علي عبد اللطيف وصحبه كان تحولا نوعيا تجاه القومية السودانية ولكنه لم ينتظم البلاد في ذلك الوقت وإلى الآن . ومن ناحية أخرى سادت في السودان وبعد ثورة 1924 مسرحيات من قبيل "مجنون ليلى" لأحمد شوقي ومسرحية "العباسة أخت الرشيد" ومسرحية "صلاح الدين" ، ويرى مختار عجوبة أنّ "أوّل عمل روائي منتزع من البيئة السودانية كان هو رواية مصرع تاجوج ومحلق" ، وجاءت في هذا السياق مسرحية "المك نمر" للعبادي ، حيث الدوبيت السوداني هو لغة كليهما ؛ وبذا يمكن النظر إليهما باعتبارهما خطوة في اتجاه القومية السودانية .

أمّا المدار الثاني ـ حسب راشد ـ والذي يعترف بالتعدد الثقافي فيمثله مسرح مجدي النور ووليد الألفي اللذين كتبا مسرحياتهم في الألفية الثالثة . قال راشد في كتابه الذي صدر هذا العام 2015 المعنون (تأويل خشبة العالم .. صور درامية بين كان والآن) ـ والذي حوى سبع مقالات عن سبع مسرحيات كتبها ما بين 2004 ـ 2014 ، وقد أعلى راشد من شأن هذه المسرحيات جميعا دون استثناء ـ قال أنه في بداية القرن الواحد والعاشرين ومع وليد الألفي ومجدي النور تسرّبت لهجة عذبة لغرب السودان داخل حيّز التداول المسرحي ، وقارن دخول لهجة غرب السودان بما حدث في المسرح الإنجليزي عندما تقدمت لهجات الطبقات الفقيرة في بداية النصف الثاني من القرن العشرين ، لهجات برمنجهام ولانكشير وليفربول ، والتي كانت توصف بالبذاءة ، والتي اعتلت خشبة المسرح تحت وابل الضربات التي وجهتها لفخامة المسرح الإنجليزي . وقد نبّه راشد في هذا الكتاب إلى المدار الأول بما أسماه (لعنة العبادي المحجوبة) التي تصرّح بمعاداة العنصرية وتستبطنها في ذات الوقت .

ولكن هذين المدارين ، ليس مدار العبادي فحسب ، بل ومدار الألفي ومجدي النور أيضا ـ حسب راشد في ورقته المشار إليها في بداية هذا المقال ـ "يطوقهما أفق واحد ، هو أفق التأليف للمسرح بواسطة لغة واحدة هي اللغة العربية بلهجاتها المختلفة!" وختم راشد ورقته بسؤال صادم ومباغت: أين إذن بقية المائة وثلاثة عشر لغة الأخرى؟!

أين اللغات السودانية الأخرى ؟

أنتج منتدى شروق الثقافي وشبكة صيحة مسرحية "الحرية المرّة" التي عرضت بمدينة القضارف في الفترة من 15 ـ 22 ديسمبر 2012 ، ووظّفت المسرحية ـ التي تناهض العنف القانوني ضد المرأة ـ وظّفت اللغات السودانية توظيفا يضع قضية العدل في استخدام اللغات في دائرة الضوء المكثف . تم توظيف اللغة في هذه المسرحية في عقدتها/ذروتها العليا في قاعة المحكمة ، حين حكت المرأة مظلمتها بلغتها الأم ، ولكن القاضي لم يفهم ، وإذا لم يفهم القاضي فإن جورا كبيرا على وشك الوقوع ! .

تم استخدام ثلاث لغات سودانية بجانب اللغة العربية كل على حدة : لغة عربية مطعّمة بلغة المساليت التي حكت بها ست الشاي مظلمتها ، تم العرض بحي التضامن حيث توجد كثافة من متحدثي هذه اللغة ؛ وعرض آخر باللغة العربية مطعّمة بلغة الهوسا تم تقديمه بحي أكتوبر حيث توجد كثافة من مستحدثيها ؛ وثالث مطعّم بلغة البني عامر ، تم استبدال ست الشاي ببائعة مقاشيش وهبابات وبروش مراعاة للسياق الثقافي ، وحكت البطلة مظلمتها بلغة البني عامر في العرض الذي تم بحي أركويت .

استخدام ثلاث لغات بجانب العربية في المسرحية اضطّر المخرج أحمد سعد قمش لتجهيز أكثر من ممثلة للقيام بدور المرأة المهمشة المظلومة بسبب نوعها وعملها ولغتها ، وذلك لأنّ الممثل السوداني الذي يجيد عدد من اللغات السودانية لا يزال بعيد المنال . إن تجربة "الحرية المرّة" أوضحت أنه وبرغم الصعوبات فإن كسر الحاجز اللغوى ممكنا ، إثراء للغة المسرح ، وإعلاء لشأن لغاتنا السودانية المهمشة . وقد حققت المسرحية قدرا من الرضا لدى المجموعات السكانية الناطقة بتلك اللغات . ثم أقيم عرض رابع عام في مسرح منتزه الجيش ـ تم توثيقه ـ وجد استحسانا كبيرا .

تمكّنت المجموعة العاملة في المسرحية ، الذين ينتمي عدد منهم لفرقة نجوم القضارف ، وبجهد ذاتي منهم ، أي دون مساعدة من منتدى شروق ، تمكنوا من عرض مسرحية "الحرية المرة" في الدورة الثانية لمهرجان المسرح الحر بالخرطوم في مارس 2013 ، فحققت إنجازا كبيرا بحصدها للجوائز الأولى كلها جميعا ، وواحدة أخرى ، الجائزة الأولى في التأليف : معز عوض والمجموعة ، والأولى إخراج :أحمد سعد قمش ، والأولى سونغرافيا :محمد عابدين ، والأولى تمثيل رجال: الفنان القدير أيمن نجم الدين عن دور بتاع الورنيش ، والأولى تمثيل نساء : لنا عوض عن دور ست الشاي المتحدثة بلغة الهوسا ، والأولى مؤثرات : معز عوض ، والثاني نساء :حنان عوض عن دور الصحفية قوية الشخصية ، كما فازت بجائزة العرض المتكامل ، وهذه تلقائيا جائزة لكل من سبق ذكرهم وللكمديان الرائع مبارك فلية الذي قام بدور القاضي وبقية العقد الفريد: حنان عوض بائعة المقاشيش ، والهادي القدال ، آمنة خالد ، امتثال مدثر ، عمر أبوكشمة ، انتصار مصطفى ، وأناهيد آدم ، والطفلة أسمار . فازت المسرحية من بين اثني عشر عرضا مسرحيا من الخرطوم وبعض الولايات!! وبذا أكّد المُحَكّمون الأكايميون ـ بمعاييرهم النقدية ـ ليس نجاح المسرحيّة فحسب بل وتفوقها أيضا ، مثلما أكّد الجمهور ـ من قبل ـ نجاحها بمعاييره العفوية .

ولكن ، وللأسف ، تم في مهرجان المسرح الحر ، تجاهل حقوق شبكة صيحة ومنتدى شروق الثقافي الذين أنتجا المسرحية ، كما تم هضم حقوق صاحب فكرة المسرحية :منتدى شروق ! . وتجاهل الإعلام القومي والإعلام المحلي بالقضارف هذه الحقيقة الساطعة ، تناسوا كل جهد شروق وشبكة صيحة .

وكذلك همّش النقاد ـ بمن فيهم راشد الذي يهتم باللغات واللهجات السودانية على خشبة المسرح ـ همشوا مسرحية "الحرية المرّة" التي انتصرت لامرأة مهمشة ، تمتهن مهنة هامشية ، وتتحدث بلغة مهمشة ، تجاهلوا المسرحية التي اخترقت ذلك الأفق الواحد ووضعت لغات سودانية أخرى بجانب العربية على خشبة المسرح ، صانعة أفقا جديدا أكثر اتساعا ، وستلحق بها مسرحيات أخرى ولو بعد حين .


أحدث المقالات

  • ارفضوها ..!! بقلم الطاهر ساتي
  • (مدد) يا سيدي!! بقلم صلاح الدين عووضة
  • انتهى الزمن يا عبدالمعين..!! بقلم عبد الباقى الظافر
  • ايلا واعتذار واجب بقلم الطيب مصطفى
  • استجواب الوزيرة مشاعر الدولب!! بقلم حيدر احمد خيرالله
  • لا تنتهي داعش قبل ان ينتهي الاسد ونظامه بقلم صافي الياسري
  • الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (51) العدو ينسف ويدمر والأمة تبني وتعمر بقلم د. مصطفى يوسف اللدا
  • إذا ارتدت مريم يحي تناديتم، وإذا أرتد فيك الضعيف تثاقلتم بقلم عبد الله علي إبراهيم
  • احترامى للحرامى - خير تهنئه للبرلمان الجديد بقلم جاك عطالله
  • قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية بين إنشائه وإلغائه وإعادة إحيائه