Post: #1
Title: عرس الزين والهوية بقلم عماد البليك
Author: عماد البليك
Date: 05-03-2015, 03:05 PM
Parent: #0
03:05 PM May, 03 2015 سودانيز اون لاين عماد البليك -مسقط-عمان مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لا يحكى رغم أن شهرة الطيب صالح ارتبطت إلى حد كبير برواية "موسم الهجرة إلى الشمال" التي تعالج الصدام الحضاري بين الشرق والغرب عبر بطلها المهاجر من السودان إلى لندن، مصطفى سعيد ثم العائد للفناء في وطنه، إلا أن رواية "عرس الزين" الأصغر حجما والتي تم تحويلها إلى فيلم سينمائي مبكرا بواسطة المخرج الكويتي خالد الصديق(1979)، تظل من الروايات المثيرة للدهشة والمختزنة بالكثير من التفاصيل التي تكشف عن عبقرية الطيب صالح كروائي. وتقدم "عرس الزين" ليس بطلا هامشيا كما يبدو، إنما إنسان حقيقي ينطلق من غرابته وغربته الذاتية ليكون فاعلا على مستوى الحياة الاجتماعية ويلعب دوره في صناعة الحياة في بلدة كاملة بما يمليه من أحداث ووقائع يكون هو بطلها. فالزين ذلك الدرويش أو الإنسان المثير للانتباه بتصرفاته الغريبة، والذي يراه بعض الناس مسليا في حين يراه آخرون مصدرا للبركة والشفاعة، وتنسج حوله الأساطير والحكايات في محاولة لتفسيره كلغز كوني، يتحول ذلك الكائن الإنساني (البطل) إلى وسيلة لوعي الوجود وكيفية رؤية الحياة بمحور جديد قائم على فكرة الحب والانتماء للأرض والوطن وفاعلية الذات في بحثها عن تموضعها في هذا العالم. لقد نجح الزين ليس في الظفر بأجمل وأنبل فتاة في البلدة ليصبح زوجا لها فحسب وهو تقريبا محور الحكاية، بل في كسب حب الناس دون استثناء عبر فيزياء نادرة لا يمكن لأي إنسان أن يمتلكها. وكان يفعل ذلك ليس لأنه يفتعل ما يرغب فيه أو يمارس نوعا من الإرادة لفعله.. وإنما عبر مبدأ التلقائية التي تحكم كافة تصرفاته وأفعاله، أضف لذلك صدقه في علاقاته مع محيطه الاجتماعي.. استطاع الطيب صالح في هذا العمل البسيط في لغته وفكرته أن يثبت معادلة الإبداع في كونه يأتي من خلال الرؤية النادرة والكلية للعالم وليس من خلال الإملاء اللحظي ولا العنت الذي يجعل المبدع مثابرا وحريصا على أن يأتي بما لم يأت به الأوائل.. ولكن دون نتيجة ملموسة.. لقد سافر الطيب من بلده السودان إلى لندن في فترة مبكرة نسبيا من عمره وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين. لكنه اختزن في ذاكرته الحاضرة مشاهد ووقائع وتفاصيل قوية عن خرائط الوطن الذي سيبتعد عنه لعشرات السنوات، هذا الحضور الذي تجلى بصفاء ونبوغ في "عرس الزين".. فهي ببساطة تصوير حي للحياة السودانية في القرن العشرين، صحيح أنها فترة تتعلق بالنصف الأول من القرن، إلا أنها تكاد تنطبق على كاريزما الشخصية السودانية إلى اليوم تقريبا.. مع الأخذ في الاعتبار للتحولات المجتمعية الكبيرة التي حدثت.. غير أنه من الظلم أن نربط موضوعية "عرس الزين" فقط بالتصوير الحي للحياة أو مشهديتها والاحتفال بها.. هذا موجود فعليا حيث يحتفي الطيب بشكل كبير بحب واضح للبلاد التي جاء منها والناس الذين غادرهم، كل شيء بما في ذلك الأشجار والطيور وكلاب الليل وسكان المقابر.. وهي كتابة تنطلق من فكرة الإحساس العميق بتجذير الجغرافية داخل الأرواح.. إن الإحساس بالضياع بعيدا عن مسقط الرأس والأصدقاء والأهل يفرض على الكاتب في أحيان كثيرة أن يكون إنسانيا اتجاه شخوصه وأبطاله، فيبحث عن الدفء والحميمة والمعاني الجميلة المختزلة في ثنايا الذاكرة.. ولهذا فإن الزين كرمز لوحدة السودان التي انشرخت لاحقا.. كان بتعبير الطيب صالح "رسولا للحب" والتعايش بين الجميع في بلد كان حجمه مليون ميل مربع قبل انفصال جنوبه.. فالزين الذي سكب فيه الكاتب عطر الانتماء والتعبير عن مركب الذات أو الهوية السودانية المنهوبة أو المغتالة.. إنما هو بتأويل ومدلول مبسط عبارة عن خارطة لوعي الأنا.. من أكون وعما أبحث ولماذا أنا هنا؟ وهي أسئلة كثيرا ما شغلت مشروع الطيب صالح الإبداعي دون أن تجد انتباهات عملية من قبل صناع القرار السياسي أو واضعي مناهج التعليم. والذين لو كنت مكانهم لوضعت "عرس الزين" ضمن أولويات الكتاب المدرسي.. إذن لكانت حافزا للوحدة والسلام ونفي الحروب والصراعات التي لم نجن منها سوى المزيد من الدماء والدموع والخوف الذي أستأصل في ذواتنا، سواء من المجهول والقادم المريع أو المرعب الراهن، أو ذاكرة الأمس المشوشة. إن الأدب الحقيقي والإبداع الجاد والرسالي - إذا جاز التعبير- رغم ميلي إلى تجريد الكتابة والكتب الأدبية من أي أدوار رسالية مباشرة.. يحمل هذا النوع من المغامرات الفنية الرائعة، القادرة على إعادة قراءتنا للحياة وللإنسان والإنسانية ومعنى الذات في هذا العالم.. أي هدف تنشده؟!.. وكيف بإمكاننا أن نكون شجعان بما يكفي لتولي مهمة صناعة الحياة الأفضل من خلال الرؤى والبصيرة النافذة والغوص بعيدا في المعاني المستترة وراء كل حكمة تنطلق من الغوص في أسرار الإنسان والمجتمعات وقيمها الخالدة على مرّ العصور. mailto:[email protected]@gmailc.com
موسم الهجرة إلى الشمال
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
الطريق إلى خيال جديد بقلم عماد البليك 05-02-15, 03:12 PM, عماد البليكجدل الذات والمجموع بقلم عماد البليك 04-30-15, 02:36 PM, عماد البليكالميتاسياسة بدلا عن السياسة بقلم عماد البليك 04-27-15, 03:10 PM, عماد البليكالفيتوري والهوية البديلة بقلم عماد البليك 04-26-15, 03:37 PM, عماد البليكنحو مجتمع متحرر بقلم عماد البليك 04-25-15, 04:04 PM, عماد البليكالمثقف والتنميط (2 – 2) بقلم عماد البليك 04-23-15, 02:22 PM, عماد البليكالمثقف والتنميط (1 – 2) بقلم عماد البليك 04-22-15, 03:48 PM, عماد البليكالقوة والإلهام والتفرد! بقلم عماد البليك 04-21-15, 02:34 PM, عماد البليكالسودان 2050 ! بقلم عماد البليك 04-20-15, 02:22 PM, عماد البليكهل قرأ أوباما إدوارد سعيد ؟ بقلم عماد البليك 04-19-15, 02:45 PM, عماد البليكالنظر إلى العالم بالمقلوب بقلم عماد البليك 04-16-15, 02:40 PM, عماد البليكصوتك الآخر! بقلم عماد البليك 04-15-15, 02:54 PM, عماد البليكبانسكي في السودان بقلم عماد البليك 04-14-15, 02:27 PM, عماد البليكنوستالجيا المثقف! بقلم عماد البليك 04-13-15, 02:52 PM, عماد البليكترويض الفيلة بقلم عماد البليك 04-12-15, 03:45 PM, عماد البليكالجثة الطائرة ! بقلم عماد البليك 04-11-15, 02:39 PM, عماد البليكالزمن المفقود ! بقلم عماد البليك 04-09-15, 05:31 AM, عماد البليكمعان لفلسفة السعادة ! بقلم عماد البليك 04-08-15, 02:42 PM, عماد البليكالشوفينية بقلم عماد البليك 04-07-15, 02:36 PM, عماد البليكأبريل في حيز المراجعة بقلم عماد البليك 04-06-15, 05:52 AM, عماد البليكالتجربة الفنلندية بقلم عماد البليك 04-05-15, 03:17 PM, عماد البليكالطريق إلى تعليم جديد بقلم عماد البليك 04-04-15, 06:41 AM, عماد البليكفي منهج بناء الشخصية بقلم عماد البليك 04-02-15, 02:22 PM, عماد البليكالاستشراق مرة أخرى! بقلم عماد البليك 04-01-15, 03:25 PM, عماد البليكالصور النمطية للسوداني بقلم عماد البليك 03-31-15, 03:02 PM, عماد البليكجدل الرواية والتاريخ بقلم عماد البليك 03-30-15, 02:56 PM, عماد البليكحنين القواديس ! بقلم عماد البليك 03-28-15, 03:21 PM, عماد البليكتوثيق الفنون والتراث بقلم عماد البليك 03-27-15, 02:01 PM, عماد البليكرد الاعتبار للعرفان بقلم عماد البليك 03-25-15, 03:27 PM, عماد البليكإشكاليات الذائقة الجمالية بقلم عماد البليك 03-24-15, 03:16 PM, عماد البليكابن عربي الهندي ! بقلم عماد البليك 03-23-15, 03:01 PM, عماد البليكصندوق "بنو حنظل" بقلم عماد البليك 03-19-15, 04:47 PM, عماد البليكما بعد ريلكه ! بقلم عماد البليك 03-17-15, 04:27 PM, عماد البليكطقوس فنية في الحياة السودانية بقلم عماد البليك 03-16-15, 02:09 PM, عماد البليكالطبقات مرة أخرى ! بقلم عماد البليك 03-15-15, 02:13 PM, عماد البليكجهل كونديرا وفلسفة الاغتراب ! بقلم عماد البليك 03-12-15, 03:40 PM, عماد البليكالانتقام الرباني ! بقلم عماد البليك 03-11-15, 02:44 PM, عماد البليكأزمة النشر في السودان بقلم عماد البليك 03-10-15, 06:15 PM, عماد البليكالفاسد والمفُسِد بقلم عماد البليك 03-09-15, 02:44 PM, عماد البليكالاختلاف والهوية ! بقلم عماد البليك 03-08-15, 04:30 PM, عماد البليكالـديستوبيا ! بقلم عماد البليك 03-07-15, 03:15 PM, عماد البليكحقيقتي.. إرهابي ؟! بقلم عماد البليك 03-05-15, 01:37 PM, عماد البليكالساحر ينتظر المطر ! بقلم عماد البليك 03-04-15, 03:01 PM, عماد البليكسعة الأحلام وعبادة الصبر ! بقلم عماد البليك 03-03-15, 04:47 PM, عماد البليكعن سليم بركات والكرمل وعوالم أخرى! بقلم عماد البليك 03-02-15, 11:39 PM, عماد البليكوزارة الفلسفة! بقلم عماد البليك 03-02-15, 06:32 PM, عماد البليكصناعة الوهم ! بقلم عماد البليك 02-26-15, 04:02 PM, عماد البليكسينما.. سينما !! بقلم عماد البليك 02-25-15, 02:40 PM, عماد البليكواسيني والمريود بقلم عماد البليك 02-24-15, 03:57 PM, عماد البليكالمدن الملعونة ! بقلم عماد البليك 02-22-15, 02:26 PM, عماد البليكنهاية عصر البطل ! بقلم عماد البليك 02-19-15, 02:24 PM, عماد البليكما وراء الـتويوتا ! بقلم عماد البليك 02-18-15, 02:24 PM, عماد البليكحوار مع صديقي مُوسى ! بقلم عماد البليك 02-17-15, 05:44 AM, عماد البليكشياطين الحب وأشياء أخرى ! بقلم عماد البليك 02-15-15, 03:12 PM, عماد البليكالحداثة المزيفة وما بعدها المتوحش بقلم عماد البليك 02-14-15, 04:32 PM, عماد البليكما بين السردية السياسية والمدونة الأدبية بقلم عماد البليك 02-13-15, 02:31 PM, عماد البليكقوالب الثقافة وهاجس التحرير بقلم عماد البليك 02-11-15, 02:50 PM, عماد البليكلا يُحكى..أزمة السودان الثقافية بقلم عماد البليك 02-10-15, 06:15 AM, عماد البليكلا يُحكى فقر "سيتوبلازمات" الفكر السياسي السوداني بقلم عماد البليك 02-09-15, 06:13 AM, عماد البليكعندما يُبعث عبد الرحيم أبوذكرى في "مسمار تشيخوف" بقلم – عماد البليك 07-26-14, 09:31 AM, عماد البليكإلى أي حد يمكن لفكرة الوطن أن تنتمي للماضي؟ بقلم – عماد البليك 07-06-14, 01:32 AM, عماد البليكالمثقف السوداني.. الإنهزامية .. التنميط والدوغماتية 07-02-14, 10:33 AM, عماد البليكبهنس.. إرادة المسيح ضد تغييب المعنى ! عماد البليك 12-20-13, 04:08 PM, عماد البليكما بين نُظم الشيخ ومؤسسية طه .. يكون التباكي ونسج الأشواق !! عماد البليك 12-16-13, 06:11 AM, عماد البليكمستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (2- 20) عماد البليك 12-05-13, 07:01 AM, عماد البليكمستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (1- 20) عماد البليك 12-02-13, 05:48 AM, عماد البليك
|
|