|
تأملات روحية في مقاصد الشريعة الإسلامية (2) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
ذكر الماوردي أن الإمام على قال للخوارج: "لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم المساجد ان تذكروا فيها اسم الله، ولا نبدؤكم بقتال، ولا نمنعكم الفيء" كما أن صحيفة المدينة هي اقدم وثيقة لحقوق الإنسان بغض النظر عن دينه وجنسه. وحتى طرد اليهود من المدينة لم يكن أمراً مبدأياً شرعياً مطلقاً وإنما قام على منهجية واضحة وهي أن اولئك اليهود، الذين قوتلوا، نقضوا العهود وصاروا مصدر خطر على إستقرار الدولة. 3- التأكيد على المساواة الإلهية بين الناس (مساواة حقيقية) فلا يفرق بينهم الجنس او اللون او الدين او الذكورة والانوثة في الحقوق والواجبات السياسية والمدنية. يمكن للمسلمين ان يقدموا للعالم نموذج للدولة الحديثة المؤمنة في غاية الحداثة من حيث المضمون اولاً والشكل ثانياً. علينا ان نهتم بمنع السرقة واسبابها اكثر من اهتمامنا بتطبيق حد السرقة مثلاً. وكذلك في بقية الحدود. العبرة ليست بالشكل وإنما العبرة بالمضمون والنية والغايات. الدين بالنية بينما الشرع بالظاهر. ونحن هنا نريد ان نؤسس لعلاقة بين الباطن والظاهر. وفي أصول الدين الحب والضمير يعلو كل شيء. علينا كمسلمين ان نعرف فن الترقي من بركة الإيمان الأول والكتاب إلى بركة الإيمان الأعلى والحكمة من الكتاب. علينا الا نرتكب خطأ شعب اسرائيل حين ظنوا ان فهمهم للشريعة المتشددة كما جاء بها موسى (ع) هو كل ما ينبغي على المؤمن عمله، حتى فاجأهم المسيح (ع) بالحكمة والتيسير فرفضوه وانقسموا فيه إلى يهود ونصارى. حقاً الشريعة هي اساس الدين ومحكم الدين الذي يبدأ منه الإنسان بالتعلق بحبل الله المتين والعروة الوثقى مترقياً ومتجهاً إلى الله. علينا كمسلمين ان ندرك ان الماضي لا يعود كما هو ولا يبنى الحاضر بنفس ادوات ومواد الماضي. علينا ان نبني حاضراً جديداً بأدوات جديدة وبنهج جديد على نسق وروح الماضي. اعمال العقل في فهم الدين يجب ان ينبع من القلب المرتبط بالله لتتم السعادة والإزدهار. علينا ان نفهم ان الإتجاه العام لحضارة الغرب بالرغم عن كل شيئ هو إيجابي وخير وغالب وكاسح ومؤيد بالرغم من بعض العيوب المصاحبة. انها حضارة لا رجعة فيها. انما ستولد منها حضارة جديدة تسير بالناس للإمام من حيث انتهت الحضارة القائمة اليوم. وعلى المسلمين المواكبة والمسايرة للحاق بالركب. على العالم الإسلامي ايضاً ان ينفض عنه غبار السنين ويفيق من سباته ليبدأ من حيث انتهى الغرب. ولا داعي للتباكي على الماضي والمواظبة على نقد حضارة الغرب. كما وإنه لا داعي للعمل على خوض التجربة مرة اخرى من الصفر. في الحقيقة الحضارة الغربية لم تترك للمسلمين الكثير لينجزوه من ناحية الإنجازات العلمية والسياسية والاقتصادية. كل ما على المسلمين فعله هو اخذ تلك الإنجازات وتحسينها وتهذيبها وتطويرها لتقديم نموذج افضل. لم يبق للمسلمين سوى المجتمع والأخلاق العظيمة التي في القرءان والتي للأسف هم ابعد الناس عنها. لم يبق للمسلمين سوى الروح الكتابية الجمعية التي تفرد بها القرءان. إنشغال المسلمين بظاهر الدين يعطل قواهم الروحية في تقديم نموذج الأمة الاخلاقي. إنشغال المسلمين بالنموذج السياسي (ذو الطبيعة المتغيرة) يمنعهم من انجاز النموذج الاجتماعي والروحي والأكثر ديمومة. إنشغال المسلمين بالنموذج القانوني والسياسي (الشرعي) يشغلهم عن تقديم النموذج الروحي. على المسلمين اعادة ترتيب أصول الدين ووضع كل اصل في مكانه الصحيح واعطائه وزنه الصحيح من حيث قطعية الثبوت وقطعية الدلالة. كذلك عليهم فتح مناطق جديدة للإجتهاد كانت محظورة في الماضي. وعليهم الإطلاع على كتب اهل الكتاب وتجربتهم الدينية والتخلي عن النظرة التاريخية النمطية التي تقلل من قيمة ما لدى اهل الكتاب. كل ذلك من اجل تقديم فقه جديد لعالم جديد. اذا اردنا ان نبعث الحياة في امتنا من اجل مشروع جديد علينا ان ندرك ان ذلك المشروع لا يوجد في ذهن معظم الذين يعملون من اجله اليوم لأنهم ببساطة ليست لديهم الحكمة والنظر الكافي وليست لديهم الشجاعة في مواجهة الواقع بالإرث. كما وأن عدم مقدرتهم على المواءمة مع ما يجري فى العالم اليوم يجعلهم بعيدين عن نظر العناية الإلهيه وجذورهم سطحية بعيدة عن مصادر المدد الإلهي والبركة والتأييد الروحي. لا بد من ارخاء القيود الفكرية لكي ينطلق العقل المسلم من عقاله ويفيق من سباته لينجز المشروع الحضاري الحقيقي الذي يشمل كل الإنسانية، به يستعيد المسلمون موقع الريادة والقيادة في العالم.
|
|
|
|
|
|