شارع النيل.. شارع السرور بقلم جمال عنقرة

شارع النيل.. شارع السرور بقلم جمال عنقرة


12-15-2014, 02:43 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1418650986&rn=1


Post: #1
Title: شارع النيل.. شارع السرور بقلم جمال عنقرة
Author: جمال عنقرة
Date: 12-15-2014, 02:43 PM
Parent: #0

لم يستفزني كثيرا ما كتبته الزميلة العزيزة سهير بت عبد الرحيم في عمودها ذائع الصيت في اخيرة السوداني، والذي تناولت فيه بعض ما تراه من ظواهر سالبة في شارع النيل، وفي غيره، رغم اختلافي معها في اكثر ما ذهبت اليه، ووجدت لها بعض العذر، ذلك انها وابناء جيلها، ولدوا في زمن تعافت فيه بلدنا من كثير من المظاهر السالبة، والتي لم تكن مستهجنة في ذاك الوقت، ولكن المشكلة في الطاعنين في السن الذين يتعامون عن الواقع، ويتغابون عن الحقائق، الذين يزعمون ان الاوضاع الان اسوا بكثير مما كان عليه الحال قديما.
وجدت احد الشيوخ الذين نهموا اكثر من ستة عقود كاملات ولم يقصروا في السابع يتحدث عن زي الفتيات اليوم، ولحسن حظي وسوء حظه انني حضرت زواج هذا الرجل، ولا زلت اذكر فستان الزواج الذي كانت ترتديه زوجته، وهي ترقص اما الناس جميعا، وكان اكثرهم غائبين عن الوعي بما خالط عقولهم من خمر، وكانت العروسة تلبس (جكسا في خط6) وللذين لم يشهدوا ذاك الزمان، فمثل هذا الفستان يكون فوق الركبة بكثير، ولا يكتمل هذ الزي الا بتسريحة (يلعن دينك) والعياذ بالله، وصورة عرس هذا الشيخ كانت حتى وقت قريب معلقة علي جدران حجرة الضيوف يراها كل داخل الي بيتهم، وكان هذا هو الزي الغالب في ذاك الزمان، واذكر ان حفل ذاك العرس - شانه شان اكثر اعراس زمان ' لم يكتمل، فتشاجر السكاري وتضاربوا،وتفرق الحفل.
واذكر مرة كنت مشاركا في برنامج صالة التحرير في قناة ام درمان، عندما كان يقدمه الاستاذ عبد الباقي الظافر، وكان يدور مثل هذا الحديث عن ما يزعمونه من ترد اخلاقي، وشارك عبر الهاتف البروفيسور مامون حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم، وسار في ذات اتجاه الذين يرمون شباب هذا الزمان جزافا، فسالته ان كان يدري ان ميس الاطباء في سبعينيات القرن الماضي كانت به حفرة دخان، لعشيقات الاطباء واصدقائهم، فهل يمكن ان يقارن هذا الحال بحال اليوم، الذي صارت تقام فيه افطارات جماعية يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع، في ميس الاطباء، وفي غيره.
وعندما وجدت احدهم يتحدث عن الخرشة وغيرها من المخدرات، قلت له ان البنقو كان هو المخدر المعروف في البلد، وكان اكبر تجار له هم العساكر الذين ياتون في العطلات من الجنوبية والغربية، حيث تنتشر زراعته، وكان تجار توزيعه معروفون في كل مدينة، واكثرهم يمتهنون صنعة معينة، وكان ورق الربنسيس المخصص للف البنقو يباع في الكناتين، وكان الرجل يرسل ولده، او اخاه الصغير ليحضر له ورق البرنسيس للف السيجارة الخضراء، واحيانا يرسله للبنقو نفسه ولا يري في ذلك حرجا. اما الحديث عن الميسر فلم يكن هناك ناد لا يمارس فيه (القمار) لا سيما في شهر رمضان حيث يكون الشهر الكريم موسما للاندية للتوسع في لعب الميسر، بزيادة ترابيز الحريق، لزيادة دخلها، حيث كان النادي ياخذ (ركوز) واحد من الخمسة في كل تربيزة، وياخذ (نص ال6) في (البكرة) اول جوز واخر جوز. وكانت اندية الشرطة والجيش علي راس اندية الميسر، فهل يمكن مقارنة ذاك الوضع، باوضاعنا الحالية؟
اما الحديث عن ازدياد عدد اللقطاء، فليس ذلك دليلا علي زيادة عددهم اليوم مقارنة بالامس، فعلي ذاك الزمن الغابر لم يكن ابن السفاح منبوذا في كثير من المجتمعات، لا سيما غير الحضرية، وكانت التي تحمل سفاحا تضعه وسط اهلها، ويذبحون العقيقة ويسمونه، وفي كثير من الاحيان يحمل ابن الخطيئة اسم خاله، وكثيرون يحملون اسماء اخوالهم، لانهم لا يعرف لهم اباء، ومن طرائف ذاك الزمان، ان واحدا سال اخته (ان شاء الله البنيه اتزوجت.) فردت عليه: (والله لسه ود الحلال ما جاء لكن الحمد لله جابت الجناء)
ومما يرويه الناس من حكايات ذاك الزمان، ان استاذا بريطانيا من الذين كانوا يدرسون اللغة الانجليزية في المدارس السودانية، كان يذهب الانداية مع طلابه لكنه لا يحتسي معهم الخمر، وبعد نحو شهر تقريبا شرب كاس مريسة، فاطلقت صاحبة الانداية زغرودة كبيرة، فلما سالوها عن سبب فرحتها اجابت بعفوية شديدة (الخواجة اسلم) ذلك لانه شرب المريسة التى كانت تعتقدها شراب المسلمين، ومعلومة دعوة بعض المجتمعات عندما ينجح الخريف، و(يشيل)، يدعو الناس لاهل زراعة العيش (تشربوه عافية) وهم بالطبع لا يعنون بالشراب شيئا سوي المريسة. فذاك زمان لا اعاده الله.
ولا نقضي بطهر كامل لمجتمع اليوم، لكنه ليس في السوء الذي يصوره الذين يخلطون السياسة بكل شئ، ومع ذلك نعترف بوجود مظاهر سالبة عدة تحتاج لان تتضافر جهود المجتمع والدولة والاسرة لمعالجتها. ونحمد لاختنا سهير انها فتحت بابا لحوار موضوعي من اجل مجتمع اكثر معافاة.