الموسم الأول للكوميديا /صلاح يوسف

الموسم الأول للكوميديا /صلاح يوسف


03-30-2014, 04:27 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1396193234&rn=1


Post: #1
Title: الموسم الأول للكوميديا /صلاح يوسف
Author: صلاح يوسف
Date: 03-30-2014, 04:27 PM
Parent: #0

على المحك
[email protected]


لأن الشعب السوداني حزين حتى النخاع، أو لأنه كما يقول الصديق الصحفي القاص المرحوم محمود محمد مدني: (حزين وبه رجفة)، فقد قرر أكثر من سبعين نجماً كوميدياً وسبعة فرق إقامة موسم للكوميديا الخالصة بالساحة الخضراء - يعد الموسم الأول للكوميديا - وذلك من اليوم الثالث إلى الخامس من أبريل. وأحسب أن المنظمين تفادوا الأول من أبريل حتى لا يظن الناس بأن الإعلان كذبة أبريل. ولأن الصامتين والحزانى والحيارى والموجوعين كثيرون، فقد جاء اختيار الساحة الخضراء لأنها تتسع لأكبر عدد من الحضور. ولعلنا حتى عهد قريب لم نكن من الشعوب التي تصنع الطرفة أو تتجاوب مع أبعادها ومراميها، بل إن البعض يرى في السوداني صرامة وعبوساً وجدية تبعده عن التجاوب مع الطرف واللطائف إلا بعد الشروحات اللاحقة. ولقد كان رأي الإخوة في شمال الوادي عن أن الذين في جنوبه لا يعرفون صناعة النكتة لأن دوافع انتاجها لم تطالهم ومن بينها الكبت والضيق والجوع والعنت. ولكن في السنوات الأخيرة بعد أن صارت الحيرة تحاصرنا والعوز يقعدنا والغرائب تغمرنا، ظهر مئات المبدعين في هذا المجال ووجدوا قبولاً من قطاعات كبيرة وبخاصة الشباب والنسوة مما يدل على أن العوامل الباعثة على الفكاهة ألقت ظلالها علينا فآثرنا ترك المواجع خلفنا إذ لا فائدة من التقوقع مع هموم الذات، فصارت النكتة متنفساً يساعدنا على إخراج الهواء الساخن من الجوف.

في أول الستينات بدأت الكوميديا تتسلل إلينا وكان وقتها فن المنولوج جديداً برع فيه الفنان الراحل بلبل وطوعه للعب الأدوار الموجبة في معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية والسيئة، ونقدها بأسلوب غنائي طريف وجد قدراً من القبول. ثم ارتقى الحس الطريف سلم الصعود إلى خشبة المسرح، بعد أن كان مجرد فقرات محدودة تقدم في مناسبات الافراح والحفلات الغنائية العامة لملء الوقت الفاصل، إلى أن توشح لباس الشخوص النمطية مثل بت قضيم والعجب وكرتوب وأبو دليبة وأبو قبورة وود حامد الغرباوي وتور الجر وشلبية وغيرهم. ثم جاء زمان تخلص فيه الناس من نمطية الفكاهة إلى كوميديا موظفة تندس رمزياً بين ثنايا النصوص المسرحية والتمثيليات الإذاعية التي تعالج مختلف القضايا. وجاء زمان آخر ازدهر فيه فن الكاريكاتير الذي يعالج كثيراُ من المواقف الاجتماعية والسياسية بما يبعث على الارتياح من حيث براعة الخطوط وتعرجات الريشة والتعبير المصاحب، ثم تولد عن ذلك كتاب ساخرون. لكن في الآونة الأخيرة نشأت جماعات وفرق متخصصة في هذا مجال صناعة الطرفة مستعينة بالإيقاعات اللحنية لتفصيل العبارات الطريفة على قوالبها وتقديم ما يشكل عروضاً كاملة من النكات الخيالية وتقليد الأصوات والحكي خفيف الظل.

ولكن من الملاحظ أن هذه الفرق أدمنت اختيار أنماطاً قبلية لتقلدها صوتاً وصورة وتحكي عنها مواقف متخيلة وساخرة لانتزاع الضحك من المتلقين. إن تكريس سرد الطرف على هذه السياق الذي يباعد بين القبائل ويفضل قبيلة على أخرى سيعمل على تعميق الجرح الذي كاد أن يندمل بتفاعلنا مع دعوة انصهار الجميع في بوتقة واحدة منذ أن نادى الشاعر إبراهيم العبادي بنسيان القبلية التي لا فائدة من ورائها حين قال في مسرحية المك نمر: (جعلي وشايقي ودنقلاوي أيه فايداني / غير جابت خلاف خلت أخوي عاداني). لذلك يكون من الأفضل لو عرف أهل الكوميديا أسلوباً غير العزف على مسالب القبائل وعكس مفاهيم وتصرفات البسطاء من أفرادها جرياً وراء الإضحاك المجاني. ومع إيماننا بأن هناك شخوصاً أقرب لما يعكسه صناع الكوميديا من مواقف، إلا أن تكرار ذلك كمسلمات، يتم تلقينها للعامة، قد يجعلها تترسخ في أذهان النشء وتسبب ضرراً على الوحدة الوطنية في المدى البعيد. وأنا لست بهذا من الذين يقفون ضد إعطاء الكوميديا مساحة لإثراء الوجدان ومعالجة الظواهر السالبة، ولست ضد رسم البسمة في الوجوه ولكنني ضد السخرية التي تفضل هذه القبيلة على تلك وتظهر أفرد قبيلة بالسطحية مقابل قبيلة تظن أنها الأكثر رقياًّ وتحضّراً.