بعد الكُرَب جاء الجرب/صلاح يوسف

بعد الكُرَب جاء الجرب/صلاح يوسف


01-12-2014, 04:49 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1389541767&rn=1


Post: #1
Title: بعد الكُرَب جاء الجرب/صلاح يوسف
Author: صلاح يوسف
Date: 01-12-2014, 04:49 PM
Parent: #0

على المحك
صلاح يوسف
[email protected]
بعد الكُرَب جاء الجرب
في زمان مضى من عمرنا كانت تنتشر في بلادنا بعض الأمراض والظواهر الوبائية التي لم نعد نسمع عنها كثيراً مثل السعال الديكي المسمى شعبياً بـ (الكتكوتة) وأورام فروة الرأس التي نرمز اليها بـ (القُوبة) والجذام والطاعون والجدري والجرب والحمى الصفراء وحتى تكاثر القمل في شعر الرأس أو بين ثنايا الملابس والأفرشة، لا لأننا بذلنا لها العناية الطبية اللازمة لدرجة الاستئصال الذي أفلحت فيه الأمم المتقدمة، وإنما لأن هناك مستجدات مرضية قاتلة - تقشعر لذكرها الأبدان - جعلتنا نصرف النظر عنها، فصار الناس يتحدثون عن الفشل الكلوي والسرطان وانسداد الشرايين والحصوة وأمراض القلب والايدز والجلطات الدماغية والضغط والسكري حمانا الله جميعاً. ولعل هذه الأمراض قديمة وكانت تسعى بيننا دون دراية لأن الوعي الثقافي في ذلك الوقت لم يكن بالقدر الذي يجعلها متداولة على ألسنة العامة كما يحدث اليوم. فما أكثر الذين توفاهم الله بهذه الأمراض دون أن يكونوا على علم بمسمياتها أو بلسمها الشافي.
ولعلنا نكاد أن نكون أسقطنا من قاموسنا مرضاً اسمه الجرب، بيد أنه أطل علينا هذه الأيام وقيل أن أعراضه ظهرت على أعداد كبيرة من الناس في ولاية غرب دارفور بالجنينة وما حولها وولاية سنار تحديداً في أبو حجار وود النيل والدالي والمزموم، وهو مرض ناقل للعدوى وسريع الانتشار إن لم تتم السيطرة عليه بعزل المصابين وعلاجهم عاجلاً خاصة وأنه ظهر بين الطلاب، أي أن ظروف تكدس الطلاب في فصول تستوعب أكثر من طاقتها ربما يكون فد ساعد على الانتشار بسبب الاحتشاد والتلاحم والاختلاط، أو العيش في بيئة تفتقر للعناية بالنظافة إذ ينتقل الداء عادة بمجرد الملامسة. فإذا كنا سابقاً بإمكاناتنا الشحيحة وبمحدودية أصناف العقاقير استطعنا جعل هذا المرض نسياً منسياً لا أعتقد أن هناك ما يجعلنا نعجز حالياً عن مكافحته مع تطور الطب وتنوع العقاقير الشافية. لذلك بقليل من العناية الفورية يمكننا القضاء عليه قبل أن يعم خبره القرى والحضر، غير أن المهم أن نتساءل عن الظروف التي جعلت هذا المرض يتذكرنا ويعود مجدداً. هل لأن المناطق التي ظهر فيها غير صالحة صحياً أم لأنها لا تعطي اهتماماً للنظافة حقاً، أم أنه وباء عارض نقلته عوامل الطبيعة فوجد مبتغاه في بيئة يبحث عنها؟
والجرب مرض جلدي يعود سببه إلى حشرات صغيرة غير مرئية تخترق الطبقة الجلدية وتستقر وتتوالد فتجعل المرء يكافحها تلقائياً بالحك الذي قد يعطي شعوراً بالراحة لكنه يوسع رقعة المنطقة المصابة علماً بأن كثرة الحك – ونحن نحتفي بالمقولة الشعبية (ما حك جلدك غير ظفرك) - قد تتسبب في تقرح وإدماء الطبقة الجلدية مع ترك بعض الآثار والتشوهات لفترة زمنية. هذا ما استحضره من معلومات عن الجرب، ولا شك أن ذوي الاختصاص الطبي قادرون على التعمق في تفاصيله والحماية منه ووسائل علاجه الناجعة. أما كلمة الكُرًب التي احتلت موقعها في عنوان المقال، فكما تقول القواميس إنها ترمز إلى حالات البؤس والحزن والعنت والمشقة التي صارت ملازمة للكثيرين في سعيهم اليومي مما يجعل حياتهم تسعد لو نجحت في الحصول على حد الكفاف الأدنى للبقاء دون طموح في الرفاهية أو التطلع لمظاهر الرقي والتحضر، ولذلك يرى البعض أن البيئة الصالحة لانتشار مرض الجرب دائماً ما تكون هي المناطق الفقيرة التي لا تملك ولا تواكب متطلبات العصر الوقائية. ولأن (الوقاية خير من العلاج) يتوجب الالتفات إلى إصحاح البيئة وتنقيتها من عوامل الإغراء التي تجذب الناقل المرضي. وإلى أن تلتفت الجهات المكافحة للمرض دعونا نطالب بانتظام عربات النفايات التي تسير بمزاج السائق وطاقم عماله الذين ينتقون ما يصلح للتدوير تاركين البقايا مهملة ومنتشرة مع إن مُحَصِلة رسوم النفايات – وهي دائما بنت لكي نخجل وندفع - تعاين هذا الخلل ويتم إبلاغها بأيام الغياب لكنها لا تتركنا وربما تقاضينا عند الرفض.