و اذكروا محاسن … 17نوفمبر . سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 16/11/2005 1:27 م
و اذكروا محاسن … 17نوفمبر
بقلم د. بكري الصايغ.
مقدمة:
تمر اليوم الذكرى السابعة والاربعين على الانقلاب العسكري، الذي قاده الفريق ابراهيم عبود في 17 نوفمبر 1958. وهو الانقلاب الذي دخل التأريخ السوداني، بانه اول نجاح وتوفيق لقادة عسكريين سودانيين، استطاعوا تغيير نظام السلطة بالقوة، ووأد الديموقراطية في البلاد وحكم الشعب بالقوانين العسكرية، وهو ايضا، انقلاب جاء ليؤكد عدم ولاء القوات المسلحة لحيادها في الصراعات الحزبية بالبلاد، وتدخلها السافر في الشوؤن السياسية، وان القيادات العسكرية ايضا قد حنثت بقسمها الذي تعهدت به يوم تخرجها من الكلية العسكرية باحترام الدستور والقوانين، و الخضوع لرأي الاغلبية، وانهم ما عادوا (جند الله: جند الوطن)، بقدر ما هم (انقلابيين) يسعون للسلطة والجاة، وامتلاك زمام الامور في البلاد بالقوة، لتحقيق مصالحهم المادية بالدرجة الاولى قبل اي اعتبارات اخرى. اذا كان قدرنا، وقد ابتلينا(ونحسنا) بثلاثة انقلابات عسكرية حكمت البلاد لمدة 38 عاما، وجلبت انواعا لا تحصى من البلاوي والمحن والفساد المتزائد يوميا وعم الخراب والدمار كل ارجاء المعمورة، وارتفعت اكوام الجماجم البشرية كالتلال، واصبحنا محل سخرية كل دول العالم، فمن العدل والانصاف ان نقول (رغم ما قلناه سابقا)، ان هذه الانقلابات الثلاثة، قد تقاوتت بينهم نسب الكوارث والفساد. وان انقلاب 17 نوفمبر، الذي استمر 6 اعوام كان (احسن السئيين!)، في مقارنته بنظامي نميري و30 يونيو. وان نظام 17 نوفمبر كان مختلفا عن الاخرتين، وامتاز عنهما بعشرة (خصال!!!!) ما كانت موجودة عند نميري والبشير.
مدخل 1:-
كان الفريق ابراهيم عبود، ذو شخصية تجبر الاخرين على احترامها، مهذبا ومتواضعا، وفي نفس الوقت، كان حازما ومسيطرا على كافة القطاعات العسكرية، كانت له هيبة وحضور بارز في كل المجالس التي كان يرأسها في زمانه (مجلس قيادة الثورة- ومجلس الوزراء). -------- ولكن هذه الصفات لا نجدها الان اطلاقا في الحاكم العسكري (البشير)، والذي فقد السيطرة على زمام الامور في البلاد، لقد خرجت القوات المسلحة من طاعته، وانتهى احترامه وسط قطاع كبير من الاسلاميين بعد الانشقاق ما بينه و الترابي. لقد اصبح الناس ويطلقون عليه استهزاء ونفورا ، بانه (همبول القصر!!)، او كما قالت الصحف المصرية سابقا عنه، وتحديدا في عام 1996، انه (رئيس بلا طعم ولا رائحة ولا لون)، ولا تراه ولا تشعر بوجوده!!! لقد راحت كثير من وسائل الاعلام العالمية، وتصور الرئيس البشير، بانه اصلا لا يحكم كما يفعل كل رؤساء العالم، ولا له ايضا وضعية كما ومكانة ملكة بريطانيا (منصب فخري للبلاد)، انه – وبحسب وجهة نظر كثير من السودانيين والعرب – انه مجرد واجهة تعمل من خلفها (مافيا)، راحت تبيع السودان بالقطعة.
مدخل2 -
لقد امتاز الضباط الكبار في (مجلس قيادة الثورة 17 نوفمبر 195 ايضا، بالانضباط العسكري، وهي صفات اكتسبوها عن جدارة من خلال الخدمة العسكرية في قوة دفاع السودان قبيل الاستقلال، وايضا جاءت من خلال المشاركة والاحتكاك مع القوات البريطانية، ونالوا انواطا واوسمة عالية -------- ولكن اذا ما تمعنا في حال (الضباط الخردة موديل 30 يونيو)، فسنجد، انه وهناك بعض الاسماء والمصطلحات الغريبة،التي اطلقت على بعض الضباط العسكريين، مما اساءت كثيرا لاسم ومكانة القوات المسلحة، فهناك مثلا مصطلح (سيخة)، والذي يستغرب الناس فيه كثيرا، كيف ومثل هذه الشخصية الدموية وساحب السمعة السيئة في الجامعة، ويدخل القوات المسلحة بهذا المصطلح. وهناك ايضا اسم اخر هو (دولار)، وسنأتي لاحقا لتعريف من اين جاء هذا اللقب، ثم وايضا هناك (رامبو). ومائات الاسماء الاخرى الغريبة. وهي اسماء ومصطلحات سلبية، ان دلت على شيء انما تدل على ان القوات المسلحة، لم تعد كما كان ويقال عنها (مصنع الرجال)، بل غدت بؤرة تجمع (للفتوات والمشاغبين)، ومن يمارسون بتجارة العملات الاجنبية.
مدخل3 -
عرف عن الوزراء العسكريين في زمان حكم عبود، انهم كانوا قمة في الصرامة والحزم، ولا يسمحون لاي كائنا كان، وان يتدخل في شؤون وزاراتهم، لقد انفرد كل وزير بحماية وزارته من اي تدخلات خارجية، او فروضات تأتي من جهات عليا. وناخذ على سبيل المثال، كيف كانت الامور تجري في وزارة الاستعلامات والعمل – (حاليا وزارة الثقافة والاعلام). فقد كان وزيرها في ذلك الوقت اللواء محمد طلعت فريد، الذي ما كان يقبل وان يتدخل احدا في البرامج التي تقدمها ادارتي الاذاعة والتلفزيون، كان يرفض رفضا شديدا، وان ترغمه جهة ما على قبول تعيينات موظفين جدد في وزارته، فقد كان يختار هو بنفسه من يراهم اكفاء للعمل في وزارته ---------- ولكن الان، وبعد 31 عاما من خروج طلعت فريد من الوزارة، نسمع يوميا العجب العجاب. فقد اصبحا (احمد الطيب البلال، وحسين خوجلي) هما القويين في هذه الوزارة، حتى وان وزير الاعلام الحالي (بجلالة قدره ومكانته)، لا يستطيع وان ينتقد اويعلق على سماجة و سخافة برامجهما. حتى وان جاز له وان ينتقد (فيتم ذلك سرا)، هذا الوزير مع الاسف الشديد، لا يستطيع وان يلبي مطالب الملايين من الجماهير ب(قومية وسائل الاعلام)، واحلال اخرين يمثلون الوان الطيف السوداني في وزارته. لقد اصبح الان، ومعروفا للقاصي والداني، ان وزارة الاعلام (من كبيرها لخفيرها)، تخضع مباشرة ... للجنرال صلاح غوش، تماما كما الخارجية ... والقصر!!!
مدخل4 -
تقول كتب التأريخ، انه في زمان عبود (1958-1964)، وقعت عدة محاولات انقلابية ضد نظامه العسكري، وانه قد جرت محاكمات للانقلابيين بعد اعتقالهم (انقلاب شنان، انقلاب كبيدة). و تقول احداث ذلك الزمن، ان القضاء العسكري في هذه المحاكم، قاموا بتوفير كل الضمانات القانونية للمتهمين، ووفرت لهم المحامين واستدعاء الشهود. ويعرف كل سوداني عايش تلك المحاكمات، انه وبعد صدور الاحكام باعدامات بعض العسكريين، قامت المحكمة العسكرية برفع الاحكام الى رئيس الدولة للتصديق عليها كما جرى العرف عالميا للموافقة عليها او رفضها. وهكذا كان القضاء العسكري في زمن عبود ويعمل وفقا للضوابط والاسس القانونية بلا ندخلات او ضغوطات. ------------ ولكن جاء زمن العجائب (والذي فيه القانون غائب). فبعد ان استلمت الجماعة الاسلامية زمام السلطة في 30 يونيو 1989 ، وقعت عدة محاولات انقلابية ضدهم، كان اشهرها المحاولة التي وقعت في 28 ابريل 1990 والتي تقول الحقائق فيها، انه وبعد ان فشل الانفلابيين في استلام السلطة، وتم اعتقالهم، تمت عمليات التصفيات الجسدية لهم بعد محاكمة اسنمرت فقد لمدة ساعتين!!! ما كانت هناك هيئة الدفاع او محامين، بل ولا حتى كاتب يسجل وقائع المحاكمة. لقد عرف الناس فيما بعد (كل المعلومات التي خرجت من القيادة العامة)، ان الرائد شمس الدين، هو الذي اصر على ان تجرى المحاكمات بصورة سريعة وبلا تحقيقات، وهو الذي اصدر الاحكام ونفذها، متخطيا بهذا الاسلوب الهمجي، مبدأ (المتهم بريء حتى تثبت ادانته، وانه من حق كل متهم الحصول على فرصة الدفاع عن نفسه). لقد قام الرائد شمس الدين وبصحبة الطيب (سيخة)، وبكري حسن صالح، وعبد الرحيم محد حسين (استراحة محارب)، وعلي الحاج، بحضور (حفل) الاعدامات الدموية، والتي تمت وما طالع فيها البشير اي اوراقا يعتمد فيها على هذه الاعدامات، وما كان بيده من حل اخر ،الا و برضى بما انزله عليه شمس الدين من ضغوطات!!!
مدخل5 -
يعيب على نظام 17 نوفمبر، انه باع منطقة وادي حلفا للمصريين بمبلغ 15 ميليون دولار. ولكني لو طلب من القراء الكرام، وان يبسطوا امامهم خريطة السودان ويتمعنوا فيها بدقة، فسيجدون ، ان عرب الخليج قد اشتروا كل شبر في البلاد، بدء من الاراضي والحقول والغابات (غابة السنط)، والبنوك والمصانع وانتهاء بميناء بورتسودان (الذي تجري المشاورات حول بيعه الان)، وقبله تم بيع مستشفى الخرطوم ومشروع الجزيرة، ولا ننسى انه في سنوات التسعينيات، قامت الحكومة ببيع المدبغة الحكومية لاسامة بن الادن، وكان وقد سبق لنميري وان باع في سنوات الثمانينيات مساحة كبيرة من اراضي محافظة كسلا الخصبة للسعودي للميلياردير الخاشوقجي. يتهكم الناس على هذه الحكومة التي باعت كل شيء ويتسألون، متى يشتري تجار الخليج.... القصر بمن فيه؟!!!
مدخل6-
لقد ظهر نوع جديد (قديم) من التجارة، انفردت بها اخيرا الانقاذ، فقد جاءت الاخبار، ان عرب الخليج كانوا يستوردون اطفالا سودانيين ليكونوا (جوكي) لجمالهم التي تجري في سباقات الهجن، لقد سكت كل اعضاء الحزب الحاكم والحكومة والانقاذ والقصر على هذه الفضيحة، كما رفضت سفارات السودان في الكويت والسعودية وقطر والبحرين، وايضا رؤوساء هذه الجاليات السودانية في هذه البلاد، عن تقديم احصائيات او معلومات بعدد الاطفال الذين لقيوا حتوفهم تحت ارجل الجمال، ولا قددموا معلومات عن اين دفنوا، ولا اذا ما كانت كليات الطب بهذه البلاد، قد تحصلت على جثثهم لتكون مادة رئيسية في علم التشريح لطلاب الجامعة.
مدخل7-
امتاز عسكر17 نوفمبر باحترام العادات والتقاليد الجاريتين في البلاد، وحرصهم عن الابتعاد عن كل ما يسي للدين والاخلاق، فلم نسمع مثلا، ان ضابطا قد دخل بيتا عنوة وبلا اذن، وقام بارهاب الاسرة ونهب ممتلكاتهم الخاصة ------------- تقول بعضا من الاحداث ، والتي وقعت في زمن الانقاذ، ان الرائد صلاح كرار، قد دخل بقوة مسلحة الى منزل عائلة المرحوم محجوب محمد احمد، وارهبوا الاسرة وصدروا الاموال الخاصة، وقاموا باعتقال ابنهم الطالب مجدي، لم يقم لرائد صلاح بتقديم اي ايصالات اومستندات بالمبالغ المصادرة من الاسرة. ولم يرجع بعدها مجدي الى الاسرة،الا وهوجثة!!! ولا ندري حتى الان لماذا تم هذا العمل الوحشي. لقد قام (الحلفاويين)، باطلاق لقب (دولار) على الرائد صلاح كرار، استنادا الى رائهم القائل، ان الاموال المصادرة قد دخلت الى (جيب) الرائد صلاح كرار، ولم يدخل هذا المبلغ المصادر اصلا الى خزينة الدولة، وان الغارة العسكرية على الاسرة، كان هدفها اصلا هذه الاموال، ومنذ ذلك الزمن التصقت كلمة (دولار) بالرائد صلاح كرار وما زالت. والغريب في الامر،ان هذا الاسلوب اللااخلاقي في النهب والسلب والارهاب، لم يحرك في الانقاذ الاسلامي اي شعرة، ولم يسألوا الرائد صلاح كرار (من اين لك هذا؟). رحم الله الفريق عبود، الذي مات عن منزل متواضع في شارع العمارات، وقد بناه من حر ماله. عكس الحالة الان، في سودان الفساد، والذي يشهد يوميا عمارات تطال السماء.... اساسها المال الحرام.
مدخل8-
في زمن عبود، كان كل مسؤول حاكم يعرف نوع وظيفته وحدودها واختصاصاتها، ولكم في هذا الزمن الحالي، نجد ان قصر الشعب، قد امتلأت و فاضت بالمستشارين (العواطلية)، والذين يتقاضون بالملايين في اعمال وهمية، ولا يخجلون وهم يتقاضون هذه المبالغ بدون مقابل. لفد اصبح القصر الان، اكبر سوق للسمسرة والعملات التجارية، واصبح هم كل وزير ومستشار فيه، وان يخرج باكبر حصيلة من المكاسب المادية قبل الانتخابات القادمة.
مدخل9-
كانت اسماء السجون في زمن 17 نوفمبر معروفة لكل السودانيين، وخاصة السجون السياسية (كوبر، شالا، ام درمان، كسلا، زالنجي، بورتسودان)، وكنا نعرف من هو المسجون السياسي، ولماذا تم اعتقاله ----------------- ، اما في زمن البشير، فقد غدا كل السودان سجنا ل35 ميليون سوداني، وابتكر النظام الحالي، داخل هذا السجن الكبير بيوتات (اشباح)، جلب لها عتاة الجلادين والخبراء في مجالات التعذيب والارهاب من ايران والعراق وافغانستان، هي بيوتات الداخل اليها مفقود، والخارج منها مجنون. ومن غرائب الكلام عن السجون،ما يقال الان، ان رئيس الجمهورية نفسه، قد اصبح مسجونا في القصر بعد دخول النافع وبكري، وانه لا يستطيع واتخاذ اي قرارات الا باذنهما.
واخيرا...مدخل10-
لقد قصدت من هذه المقالة، وان اترحم على ارواح الشهداء الذين ماتوا في هذه الفترة، وان ارفع يدي للسماء، طالبا من الله عز و جل، ان يشمل شهداء القوات المسلحة، والذين شملتهم اعدامات هذه الفترة، واترحم ايضا على ارواح من ماتوا من الضباط، الذين حكموا البلاد طوال 6 سنوات،وغادروا هذه الدنيا، وما نهبوا ولا فسدوا ولا طاردتهم محكمة العدل الدولية بتهم الابادة والتصفيات الجسدية، وعاشوا حتى اخر لحظات حياتهم قريري العين،هادئ البال، عكس الاخرين (ضباط الانقاذ)، الذين تنتابهم حالات الارق الدائم، وبعضهم ينام ويغتسل ويتبول... داخل الدبابات.
رغم اهتمام 17 نوفمبر بالثقافة و الاعلام و دوره ( الاندية الثقافية- السينما المتجولة - التلفزيون- الاذاعة- ) الا انها شأنها شأن الشموليات العسكرية نصبت نفسها وصيا علي البشر ( لاحظ في الفيديو ان الرقابة المفروضة علي التلفزيون بواسطة الصاغ التاج حمد)