حديث المدينه

حديث المدينة
رسوم تمزيق (التظليل)..!!

عثمان ميرغني
كُتب في: 2006-10-10

[email protected]


*تصور أن تكون راكبا في حافلة مواصلات عامة.. داخل العاصمة الخرطوم. وفي منتصف الطريق تقابلك نقطة تفتيش فيها رجال رسميون.. يوقفون الحافلة ويخطرون ركابها بأن الحكومة أصدرت قرارا هذا الصباح يقضي بحلق شعر جميع المواطنين.. بعد أن ثبت في جريمة قتل شهيرة أن الجناة أمسكوا المقتول من شعره قبل قتله.... وأنشأت الحكومة نقاط التفتيش حيث يحمل هؤلاء الرجال الرسميون في أيديهم المقصات لحلق شعر كل ركاب الحافلة وأي حافلة أخرى تمر..
*هذا ما حدث بالفعل..!!
*قبل عدة أيام اتصل بي قارئ - والحمد لله يشرفني القراء دائما بملاحظات ثاقبة في تفاصيل كل ما يجري في مجتمعنا - وسرد لي مشهدا لرجال شرطة المرور على مدخل كبرى النيل الأبيض القديم من جهة أمدرمان.. وهم منهمكون في تمزيق التظليل من بعض السيارات العابرة.. وروى لي القارئ كيف تحول المكان بعد ذلك إلى كومة نفايات سوداء..
*ثم قرأت عن حكاية أن التظليل كان شريكا في جريمة مقتل زميلنا الفقيد محمد طه.. إذ استخدم الجناة سيارة مظللة.. وقرأت بعدها الاعلان الذي نشرته شرطة المرور تحذر فيه من تظليل السيارات وتنبه إلى أن لائحة جديدة ستنظم الأمر.. وانقسم الزملاء في أعمدتهم بين قادح.. واكثرهم مادح للإجراء..
*ولكني في مثل هذه الأحداث التي تبدو مثيرة أحيانا.. تحتشد فيها الدراما.. لا أحفل كثيرا بتفاصيل الدراما.. دراما الشرطة وهي تتهم التظليل بأنه من قتل زميلنا المرحوم محمد طه.. ثم دراما تمزيق التظليل..
*لنلقى نظرة على المنهج..!!
*المنطق الذي سيق لتبرير الإجراء.. يجعل منطقيا أيضا أن تصدر وزارة الداخلية أمرا بمنع استخدام (السكين).. ومنع امتلاك السيارة.. لأن الاثنتين استخدمتا في الجريمة..
*لكن في كل الأحوال القضية ليست في المنع.. بل في أن الإباحة نفسها كانت وفق منطق آخر مدهش..
*منطق الإباحة في التظليل كان مبنيا على أن التظليل حق مكتسب لمن استطاع إليه سبيلا.. أو لمن يدفع للشرطة الرسوم وقدرها نصف مليون جنيه.. رغم أن الشرطة هنا لا تقدم خدمة.. فهي لا تقوم بالتظليل بل فقط تمنح ورقة تسمح لصاحب السيارة أن يظللها.. ومع ذلك تأخذ نظير هذا التصديق كل هذا المبلغ الخرافي..!!
*وعندما قررت الشرطة إزالة التظليل بالطبع لم ترد لمن دفعوا النصف مليون أموالهم.. والعدل يفترض أن ترد إليهم قبل إزالة التظليل طالما أنهم دفعوا قيمة نظير (موافقة).. فتظل الموافقة سارية إلى أن ترد إليهم الشرطة أموالهم..
*لكن الأكثر منطقية كان أن تأخذ الحكومة رسوما على تمزيق التظليل..!! لا على منح إذن بالتظليل.. فالتمزيق عمل احتاج إلى جهد الرجال الذي قاموا به.. خدمة قدمتها الشرطة بجهد وعرق ووقت..
*ألا يبدو الأمر مربكا ومحيرا..
*تحرم الحكومة التظليل.. إلا لمن يدفع النصف مليون.. تحدث جريمة فتقرر الحكومة أن التظليل كان سببا فيها.. فتقرر تحريمه مغلظا.. فتمزق الحكومة تظليل من دفع الرسوم دون أن ترجع له الرسوم.. بالله عليكم أين الجريمة هنا..؟؟
*في التظليل.. أم في القتل.. أم تحريم التظليل.. أم تمزيق التظليل دون إرجاع رسوم التظليل؟؟