عمر القراى يكتب عن... القوات الدولية والسيادة الوطنية

عمر القراى يكتب عن... القوات الدولية والسيادة الوطنية


09-12-2006, 01:36 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1158021406&rn=0


Post: #1
Title: عمر القراى يكتب عن... القوات الدولية والسيادة الوطنية
Author: الكيك
Date: 09-12-2006, 01:36 AM

الصحافة 11/9 /2006ش
القوات الدولية والسيادة الوطنية!!
د. عمر القراي
لقد جاء قرار مجلس الأمن رقم (1706)، القاضي بنشر قوات دولية في إقليم دارفور، موافقاً لرغبة سكان الإقليم، الذين لم يتوقف الاعتداء عليهم، وتعريض أرواحهم للهلاك، وممتلكاتهم للضياع، وأهلهم وذويهم للنزوح، رغم توقيع اتفاقية السلام، بين مجموعة مناوي والحكومة!!
فلو أن الأمن استتب، ورجع النازحون إلى ديارهم، واستطاعت الاغاثة الدولية، أن تصل المتضررين، وبدأت الحياة في الإقليم تعود سيرتها الأولى، ووصلت الجماعات المتحاربة لسلام حقيقي، لكان قرار مجلس الأمن لا مبرر له، ولما وافق عليه سكان دارفور، الذي فرحوا به الآن، بمن فيهم الذين وقعوا اتفاق السلام، مع الحكومة!!
فإذا ثبت أن القوات الأفريقية، عاجزة عن فرض السلام في الإقليم، ووضع حد للاعتداءات المتكررة، على المواطنين الآمنين، وأن الحكومة نفسها، قد أشارت في أكثر من مناسبة، إلى ضعف هذه القوات، كما أن الحكومة -أيضاً- عجزت عن الوفاء بما وعدت به، من نزع سلاح المليشيات، بل لم تستطع توفير ضمان وصول الاغاثة.. دع عنك أنها ليست محايدة، ولا مبرأة من تهمة، اشعال هذه الحرب في دارفور، فماذا تريد الحكومة، الآن، حين تعترض على دخول القوات الدولية؟! هل تريد لسكان إقليم دارفور، من المواطنين السودانيين، أن يموتوا عن آخرهم، وسط نزاعات الإقليم، وعجز القوات الأفريقية، لأن دخول القوات الأجنبية، يعني المساس بسيادتنا الوطنية؟!
إن مفهوم السيادة، يجب أن يمعن فيه النظر الدقيق، حتى لا يصبح شعاراً أجوف، يضلل به البسطاء.. فالدولة القطرية الحديثة، إنما أصبحت دولة، لاعتراف القانون الدولي بها، وبحدودها، وبسيادتها على أرضها، وفق ما نصت عليه المواثيق الدولية.. وكما أن للدولة، ما يربطها مع العالم، من علاقات وفق القانون الدولي، فإن علاقتها مع شعبها، يجب أن تكون محكومة بنفس القانون الدولي.. فلا يجوز لدولة ما، أن تعتدي على شعبها، وتقضي عليه بالموت، والتشرد والنزوح، وتفارق القوانين الدولية كافة في معاملته، ثم إذا تدخل العالم، ليوقف هذه المجازر، تحتج الحكومة، بأن هذا التدخل اعتداء على سيادتها الوطنية!!
ذلك أنها لا يمكن أن تطلب من المجتمع الدولي، أن يراعي سيادتها، وهي لا ترعى قوانينه وأعرافه، التي تنص على حق المواطنين، في الحياة، وفي الحرية، وفي الكرامة الانسانية.. فأما أن تحترم الدولة القانون الدولي، والمواثيق، والقرارات الدولية، وتعامل شعبها على أساسها، أو لا تحترم القانون الدولي، ولا المواثيق الدولية، فلا يجوز لها، عندئذ، أن ترفض دخول قوات دولية، مطالبة بسيادتها على أراضيها، ومحتجة، على حقها في ذلك، بما يوفره لها القانون الدولي!!
فما هو موقف حكومة السودان من شعبها؟! حين قدم السيد وزير المالية، الموازنة العامة، ذكر أن السبب الأساسي، للفجوة في الميزانية، هو ازدياد الصرف الحكومي، ثم اصدر قرارات عجيبة، لم تتعرض لسبب الأزمة، بل رفعت أسعار السلع الاستراتيجية، التي يعني رفعها ارتفاع مستوى المعيشة: البنزين والسكر!! ولقد كانت هذه القرارات التي لم تراعِ معاناة شعبنا، مثار استياء، واحتجاج عام، من المواطنين كافة، عبر عنه المثقفون في الصحف، وبعض ممثلي الأحزاب السياسية.. وبدلاً من أن تصحح الحكومة موقفها، وتلغي هذه القرارات الجائرة، أو على الأقل، تحاول الدفاع عنها بموضوعية، وتصبر على تزمر المواطنين، تحدى د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية، المعارضة أن تخرج مسيرة احتجاج، على هذه الزيادات!!
وحين خرجت مسيرة، سلمية، معتمدة على الدستور، الذي يعطي الحق في التعبير، وأثبت خروجها، مبلغ خطأ ظن الحكومة -كما مثلها د. نافع- بهذا الشعب، لم تحتمل الحكومة التحدي، الذي طالب به ممثلها، فاعتدت على المسالمين العزل، بالضرب، وبالغاز، وبالاعتقال!! فإذا كانت الحكومة، تعطل الدستور، وتعلق بنود اتفاقية السلام، لتخلص إلى قمع شعبها، في الخرطوم، ومنعه عن التعبير عن رأيه، ثم تعجز عن حماية أفراد هذا الشعب، في دارفور، فهل يمكن أن تعتبر ملتزمة بالشرعية الدولية، ومراعية للاتفاقيات الدولية؟! فإذا كانت لا ترعى كل ذلك، كما دلت كل تصرفاتها، فهل يحق لها، أن تعتبر دخول القوات الدولية، دون رضائها، اعتداءً على سيادة الوطن، الذي تقوم بتعذيب أهله؟! لقد أخلت حكومة السودان، بشروط السيادة الوطنية، حين ضربت العزل، وعجزت عن حماية البسطاء.. فالدولة التي لا تحترم شعبها، ولا تقدر على حمايته، لا سيادة لها عليه.. ولهذا لا يحق للحكومة، أن تتحدث اليوم، عن تلك السيادة لتؤلب بها الشعب، ضد دخول القوات الدولية!!
ومن عجب، أن إعلام الحكومة، يحاول هذه الأيام، أن يصور تأييد دخول القوات الدولية، وكأنه خيانة وطنية!! وذلك بالرغم من أن السيد علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية، قد صرح في اجتماع بروكسل، في الثامن من مارس 2006، بالتزام الخرطوم، بالنظر في تسليم بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام، إلى قوات من الأمم المتحدة!! بل أشار إلى أن الأمم المتحدة يمكن أن تخطط لذلك منذ الآن!! فهل يتهم إعلام المؤتمر الوطني، نائب رئيسه، ونائب رئيس الجمهورية، بالخيانة، لأنه يرى وجاهة في دخول القوات الدولية، بعد ن عجزت القوات الأفريقية، عن تحقيق الأمن في دارفور؟!
ولقد صرح الفريق سيلفا كير نائب رئيس الجمهورية، ورئيس حكومة الجنوب، بموافقته على دخول القوات الدولية، فهل يجرؤ اعلام المؤتمر الوطني، على التشكيك في وطنية الفريق سلفا كير؟! ولقد وافق مناوي، مساعد رئيس الجمهورية، الذي يفترض أن يكون أدرى بالوضع على الطبيعة، في دارفور، على دخول القوات الدولية، فهل يتهم بالخيانة، بعد توقيعه اتفاقية السلام، مع الحكومة؟!
إن على الحكومة، أن تقنع أطرافها، بموقفها القائم على رفض دخول القوات الدولية، وهذه مهمة صعبة لن تقدر عليها، لأنها لا تملك حجة واضحة، ولأن اخراج المظاهرات الموجهة، لا يمكن أن يكون دليلاً مقنعاً على أنها لا يمكن أن تقنع العالم، وهي عاجزة عن اقناع نفسها!! وإلا أصبحت مسخة، ومهزأة، بين الدول.. فلماذا لا تنشغل بذلك الآن، بدل الانشغال بالقاء التهم جزافاً، وتوزيع فرمانات الخيانة يميناً وشمالاً!!
أما الشعب السوداني، فإن الله قد حفظه من خطل الحكومة، وجعله يعلن من خلال جموعه المتضررة في دارفور، ومن خلال مثقفيه، ومن خلال ممثلي أحزابه السياسية، تأييده لقرار مجلس الأمن، بارسال قوات دولية، لاستنقاذ إقليم دارفور، فماذا بقي للحكومة، ومواجهتها المزعومة؟!