Post: #1
Title: البوست الأخير:في استنطاق المكان شعريا من شاعر تشيكي:مهدى الى "خليل"
Author: osama elkhawad
Date: 09-03-2006, 04:09 PM
نسبة لانني والصديق الفنان المبدع: أحمد المرضي نحضِّر سويا لاصدار ديواني الشعري الثاني ، فسيكون هذا بوستي الاخير،وساعود بعد انجاز تصميم ونشر الديوان . وهو اي هذا البوست مهدى الى الاخ خليل ،كما وعدته في بوست آخر.
و اختياري لاعادة نشر هذه النصوص الشعرية لشاعر تشيكي،قد تأسس على انها تشترك مع تجربتي الشعرية المتواضعة في محاولة استنطاق المكان شعريا. Enjoy وحتى نلتقى ، كان الله هوّن محبتي للجميع، والعفو والعافية ارقدن\وا عافية المشاء ******* قصف مدينة كرالوبي ياروسلاف سيفبرت ****** 1 كرالوبي مدينة غير جميلة.. كرالوبي مدينة غير جميلة لم تكن كذلك مرة. نبتت في محيطها مداخن شبيهة بأشجار وحشية بلا أغصان بلا أوراق وبلا زهور، بلا نحل وبلا عصافير. حين ننزل من القطار، ونحن لا نزال على درجات القاطرة بعد نشم الرائحة العذبة لمعمل <ماجي> كان قريباً من المحطة جداً. إلا أنني، كنت أسرع، لا أضيع ثانية باتجاه باب صامت حيث بانتظاري أذرع عديدة. كليُّ السعادة، أدع نفسي أسقط فيها. حتى اليوم، وقد مرّ على ذلك سنين عديدة حين أغلق عينيّ وأتفحص عتمة جفنيّ الشفافة أرى وجوه الذين أحببتهم تنبثق مبتسمة. لكنها وجوه شاحبة مثل نور النجوم في ما بعد ظهيرة يوم شتائي حيث يبدأ المساء بعتمته. عند المساء، وبخاصة عند اقتراب المطر يغلق الناس النوافذ. تسقط على المدينة نديف السخام وفي الشوارع يدخل دخان شبيه بضباب الخريف إلا أنه مسلح حتى الأسنان. ومع ذلك، ثمة أزهار بريّة لا تزال، بالنسبة إليّ، تتفتح هناك حتى على الأسلاك الشائكة يكفي أن نتوقف قليلاً ونطلق زفرة ناعمة. 2 الشمعدان يعرف الله أين أصبح ذلك الشمعدان الذي جلبته أمي من كرالوبي. صنع خلال الحرب الكبرى من قشر الرمان ولسنوات طويلة، بقي عندنا، على ظهر خزانة. حين ينفد النفط نشعل فيه شمعة تدخن. على ضوئه الخفيف كتبت أولى قصائدي وحين يذهب أهلي للنوم كنت أقرأ مادام مشتعلاً روايات غرامية. نوره المترنح يصبح أمراً لجوجاً زائلاً كان في أحلامي على الأقل يجرني من على مقاعد الدراسة صوب أزقة براغ العفنة. حيث نعشق للحظات قصيرة. لكنني كنت أشعر بالخوف لأنها أكثر غموضاً من مستنقعات الجزيرة الغاشة عند مصباتها التي غرق فيها فارس شجاع مع فرسه. في كل مرة، كانت أمي تٌلمّع الشمعدان بخرقة مخملية كنت اشعر بأنها تطلق زفرة خفيفة. لم أسألها السبب فيما بعد، تكهنت بالأمر: أن لا تنشب الحرب مجدداً. ومع ذلك، لقد جاءت! 3 شال الكشمير منذ دهر لم تعد زهور <الموغيه> تنبت في غابة كرالوبي كما في مراهقتي حين وقعت في غرام أصغر أخوات أمي. كانت أكبر سنا مني بقليل وجميلة. غالباً ما يرددون ذلك. أعرف أشياء قليلة عن النساء وبرغم ذلك، وفي فكري، كنت أدور بلا توقف حول الجنس اللطيف. وحين تمر بالقرب مني لم تكن توجه إليّ سوى ابتسامة صامتة من دون أن تنظر مطلقاً في عينيّ اللتين تتوهجان بينما تنفجر دمائي بصمت في شراييني. كم من مرة فتحت ذراعيّ كي لا أحتضن سوى هذا الهواء الذي اجتازته لتوها حاملة ابتسامتها الناعمة إلى الغرفة المجاورة. غالباً ما أشعر برغبة جريئة في رؤيتها عارية، في أحلامي. أو على الأقل، عارية حتى خصرها. أو أن فمي، الذي كان لا يزال حائراً يستطيع أن ينحني بالقرب من ظلالها الزهرية. أحياناً، حين تبتعد للحظة رامية فوق كرسي شالها الكشمير كنت أشد القماشة على وجهي لأتنشق عطرها. انتهت العطلة، وكان عليّ أن أعود إلى براغ. لحظة الوداع، مدّت لي يدها أخذتها بعناية كبيرة مثل زهرة الأوركيديا الرهيفة. مضى زمن لم تنبت فيه زهرة <الموغية> في غابة كرالوبي. مضى زمن طويل... 4 طريق كرالوبي زاكولنسكي، الساقية التي تجتاز المدينة مزعجة ورائحتها كريهة. حتى السماء لم تكن تستطيع احتمالها. تحوي جميع أنواع المياه الآسنة والذين يسكنون في النواحي يرمون فيها الأوعية المكسورة والقطط النافقة. الشحاذ بابلام، القبيح والبائس جداً والذي يشكل فزاعة للصغار، كان يلم من مخلفات المدينة خرقات قديمة ملطخة بالعرق، بالدموع، بالدماء. كان الناس سعداء بالتخلص منها ليطمروا غالباً ذكرياتهم. كان الشحاذ يغسل قدميه في الساقية. وحين شيّدوا جسر كرالوبي أخفوا الساقية. وفي اليوم الذي صمتت فيه المياه بين الأحجار توقفت العصافير عن الغناء على الأشجار التي تحيط مجرى المياه. كان طريق كرالوبي ينطلق من أمام الكنيسة، يجتاز الساحة كلها يمر أمام مكتبة <نيفلت> لا زلت أرى واجهتها وعلى الزجاج انعكاس صورة وجهي ليصل في النهاية إلى مقربة من الساقية. الطريق عينه، كان يسلكه، فوق عرش، السيد الكاهن، مرتدياً حلته البيضاء، يوم عيد الرب؛ حذاؤه، الملمع للمناسبة يسحق بلا رحمة الزهور التي ترميها الفتيات الشابات على البلاط. رأسي مليء بأحلام مذهبة وبأبيات أهمس بها سائراً. أضع، خَجِلاً، خطوات رغبتي على الموكب. في الشتاء، صديقي الممثل <سبال> يحصي البجعات في البحيرة من أعلى جسر <بالاكي> طيلة حياتي، لم أحص شيئا لا بجعات ولا أيام ولا ليال ولا مال. ملأى حياتنا اليوم بالأرقام لكن، ما كان بإمكاني إحصاءه في تلك الحقبة؟ نقاط المطر؟ أو ربما حبال روحي التي يتحدث عنها الشعراء، غالب الأحيان، في قصائدهم؟ أصابع الرغبة الأولى مستها لتوها. أو بالأحرى القبل؟ كانت لا تزال نادرة. ربما ابتسامات الصبايا النافرة؟ أجل، هذا هو! ابتسامة بعد ابتسامة قبل أن تحملها الريح. ما ان تحل الظهيرة حتى أسارع بالعودة وطيلة بعد الظهر، كنت أجد صعوبة في كتابة القصائد. على بُعد خطوات من الساقية ولد الشاعر <هاليك>. كان، إن وقع في الغرام يخرج قصائد الحب من كُم معطفه المزخرف. على عتبة بيت المحبوبة التي دخلت حياتي لحظتها وضعت الرسالة التالية: أعرف جيداً أن قصائدي لا تساوي الكثير حين تقرأنيها سأصلي لعينيك كي لا تغلقي قلبك في وجهي. مع قصائدي المتواضعة وبحبل فضيّ علّقت هذه الزهرة. إن مست شفتاك وريقاتها الرطبة فإنك تقبلين جمالك. قبل ليلة، حين قطفت الوردة من وريقاتها الزهرية التي تفتحت بحسية كبيرة ارتعشت منها وكان عليّ أن أنفخ نديفة سخام دنيئة. 5 تحذير ليلي أحالت الحرب الليالي أكثر سواداً والصباحات أكثر كآبة. في كل الزوايا، يتدلى سيف يهدد مدفع رشاش يتعفن الرعب. المسدسات مثل جراذين متربصة جراذين تتضور جوعاً. كنت في كرالوبي أنتظر القطار كنا في سنة الحرب الخامسة وكنت أطوف عبر المدينة في صمت السنونوات. لما يحل المساء تنطلق قطارات الأمنبوس حين لا تعد قاذفات الصواريخ تهدد بالانقضاض قصفاً من أعلى الغيوم البيضاء. كانت المدينة تستعد للنوم. لم تكن الساعة العاشرة قد حلت بعد حين تطلق الصفارات إنذاراتها أستعجل في إيواء خوفي في نفق تحت جسر واد. قبل سنوات، سكنا قربه في شارع سوكول عشت في هذه الأمكنة مغامرة غريبة. المتشرد بالام، حاملاً كيس قاذوراته النتنة خرج من النفق وهو يترنح. كان سكراناً فرمى أحدهم عليه حجراً. توقف الشحاذ وهدد بقبضته لا المعتدي فقط، وإنما المدينة كلها حوله. وصل إلى وسط الساحة وتفوه بلعناته الداعرة: لتتقوض في هذه الكهوف المعتمة لا فيها فقط بل في يأس ضريحي حتى آخر دموعه! لتضرب النار النار النار النار النار المدينة من أعلى السماء مثل أجنحة نسر مشتعلة يتضور جوعاً فوق جثة طازجة لينهي دماره! آمين مضى زمن منذ أن غادر الشحاذ هذه العتبات البخيلة إلى ممالك أخرى، لكن لعنته، كما نذير أسود، بقيت محفورة وسط الغيوم الملوثة بالسخام الدهني بعد دقائق صرخت الصافرة بانتهاء التحذير فغادرنا الملجأ كان الليل مخضباً بالعطور والسماء مليئة بالنجوم. في ما مضى، كانت ليالي آيار تخص العاشقين آه يا الهي. صفّر القطار خلف تيلاهوزيفيتش حان وقت الرحيل. راكضاً، هممت بالوصول إلى الرصيف. بالكاد جلست في المقطورة حتى أحسست بندم مرير بالهرب من المدينة التي أحبها بأن أتخلى عنها لحظة كانت في خطر. بيد أن مبنى المحطة كان يختفي في عتمة الربيع والقطار يتجه صوب دولاني حيث كل شيء مزهر...
******* ترجمة/ اسكند حبش (?) شاعر تشيكي 1901 1986
|
|