تداخلات العلاقة بين الثقافة العربية والافريقية في السودان

تداخلات العلاقة بين الثقافة العربية والافريقية في السودان


09-03-2006, 09:14 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1157271253&rn=0


Post: #1
Title: تداخلات العلاقة بين الثقافة العربية والافريقية في السودان
Author: أسامة أحمد المصطفي
Date: 09-03-2006, 09:14 AM

يقول الشاعر الفرنسي البارز أندرية فولتير إن أية ثقافة أو لغة تتعرض للانقراض أو تهدد بالزوال هي خسارة للبشرية وللارث البشري ذلك أن وعي البشر يتشكل من خلال المعطيات اللغوية أولا ومن هنا يجيء اختلاف الوعي البشري وتنوعه الذي هو مصدر غني للبشرية. ويقول الشاعر السنغالي السياسي ليبور سنغور الثقافة هي الشعر المحمول على نداء الأفق إلى التسامي والى الاتحاد بالقوة الكونية التي هي الهواء... الهواء الذي يلامس الأشياء، ويتخلَّلها، ويجتازها – دون أن يسمح لها بأن تسجنه.

في هذا الإطار عانى السودان، هذا البلد القارة الغني، والمتعدد الأعراق والثقافات والديانات، وبرغم أبنائه العلماء والمفكرين والمنتشرين في كل أنحاء المعمورة، في مختلف مجالات الابداع الانساني والعلمي، من صراعات دامية وحرب أهلية دارت عشرات السنين ، ولا زالت تدور و استهلكت ، ولاتزال الكثير من الموارد البشرية والمادية، وأرهقت إنسان السودان ، والذي لا يأمل في غير أن يستطيع العيش بهدوء في العالم غير المتوازن. إن قراءة دقيقة لأدب الخلاف والاختلاف في السودان من خلال تسليط الضوء على المشهد الثقافي السوداني العام باعتباره المحرك الأساسي والجوهري لأفكار الساسة السودانيين جميعا أصبح ضرورة جادة ،في الوقت الذي أصبح فيه التمسك بهوية الأمة وإرثها الثقافي والحضاري هو الواقي والناجع الوحيد لمقاومة رياح التغيير القوية والاستلاب الثقافي التي تطالعنا تحت مظلة العولمة

بالرغم من ذلك اننافي السودان لا ننظر للوطن في وحدته الثقافية التي تجمع شتات التنوع الثقافي وتنظمه في اطار من الحوار الديمقراطي حيث الوطن هو الزمان والمكان الذي يجمع هذا التنوع في فضاءات السلام حينما تعترف الاطراف جميعها باحقية كل على العيش مع الطرف الآخر تحت مظلة واحدة تمثلها القواسم الثقافية المشتركة التي تمثل بدورها الحد المطلوب للتفاهم والفهم المشترك.

إن البحث عن الذاتية الثقافية لا تعني على الاطلاق العزلة والانطواء، بل هي سلوك محمود في التميز عن الآخرين وتعليمهم كأسلوب للعيش وصياغة النموذج الخاص الذي تعرفه الشعوب والحضارات الانسانية منذ فجر التاريخ، فالثقافة كما يراها الكثيرون، ليست لوحة رسم أو تحفة يمكن نقلها من مكان إلى آخر، بل هي مضامين شحنات نفسية وذاتية وبيئية من الصعب استيرادها أو فصلها عن بيئتها وكوامنها واشكالياتها الأخرى.

بقراءة التعريف السابق عن الثقافة وبتطبيقه في نموذج بلد كالسودان يزخر بتعدد البيئات الجغرافية والقبائل واللغات واللهجات، نجد أن الهوية الثقافية واللغوية في مواجهة شحنات نفسية وذاتية وبيئية، تجعل وللوهلة الأولى من الصعوبة بمكان التعامل معها، بل وحتى إيجاد أرضية ثابتة ومشتركة تكون بمثابة انطلاقة لثقافة سودانية مشتركة، جامعة ومعبرة في الوقت نفسه عن الانسان السوداني كله، مما يحتم ضرورة التعامل بوعي كبير مع هذه الدوزنة في اتجاه الوحدة.

ولارتباط اللغة الوثيقة بالحضارة الانسانية وثقافة البشر باعتبارها المسجل الأساسي لكل حوارات حركة التاريخ في المجتمع، تبقى اللغة في السودان في مواجهة اشكاليات كثيرة متعددة ومتشعبة.
نحاول هنا مناقشة العوامل المتدخلة في هذا المشكل وهو جملة الفكر الأساسية باعتبار توحيد اللغة القومية بصورة حقيقية لتبقى الخيار الأساسي للكل بدون معاناة يتجهون بعدها للخيارات التي يقرونها مع المحافظة على اللغات المحلية الأخرى كاللغة النوبية في أقصى شمال السودان، ولغات الدينكا والنوير والأنواك في أقصى جنوب السودان من أصل أكثر من مائة لغة محلية يتحدثها أهل وقبائل السودان، وضرورة دراستها وتنميتها لشغل الحيز الثقافي الواسع والمناسب في دفع عملية الثراء الثقافي واللغوي وبناء الشخصية السودانية المتعلمة والمثقفة والواعية لهذا الواقع الفريد والذي يعطي السودان خصوصيته وشكله المميز متجاوزين بذلك كل أشكال الصراعات المؤلمة وغير المثمرة.

إن تداخلات العلاقة بين الثقافة العربية والافريقية في السودان ـ الذي يبدو واضحا في المشهد الثقافي السوداني، وإن بدا سياسيا ـ فإن الدراسات بهذا الجانب ظلت محدودة ، وربما يبدو من المفيد أن نطلع على تعريف الثقافة من توصيات مؤتمر وزراء الثقافة الأفارقة والذي عقد بأكرا عاصمة غانا في أكتوبر 1975، ويمكن اعتباره من أميز المؤتمرات التي عقدت، ونقرأ تعريف الثقافة بأنها: كافة الموجودات المادية والأخلاقية والروحية إلى جانب المعرفة واللغة والمهارات وسبل التفكير وأنماط السلوك ومختزن التجارب المكتسبة على مر العصور ويبدو أن هذا التعريف هو الأقرب لاستيعاب السودان المتنوع في كل شيء.