المنعطف جدلية الإنتماء ونوافذ السلام في السودان

المنعطف جدلية الإنتماء ونوافذ السلام في السودان


08-30-2006, 07:45 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1156920344&rn=0


Post: #1
Title: المنعطف جدلية الإنتماء ونوافذ السلام في السودان
Author: أسامة أحمد المصطفي
Date: 08-30-2006, 07:45 AM

هذه مختطفات من إصداري (المنعطف الذي صدر في 25/12/2005 عن دار النورس للطباعة والنشر في دبي )

نرى من خلال تحليلنا للمجتمع السوداني في نهاية القرن العشرين أن فجوة واسعة وعميقة تفصل بين حلم التغيير الذي يطمح إلى تحقيقه السودانيون ، والواقع الهزيل الذي يعيشونه مع بداية الألفية الثالثة ، رغم الكفاح المرير الذي خاضه السودانيون مع الذات في مواجهة الذات والذي يشار إليه بالآخر ، وأكتشفوا بعد صدامات متلاحقة أن زمنهم هذا هو زمن سيادة الجماعات على المجتمع ، وبالتالي التفكك والتفتت والإحباط ، مما زاد إحساسهم بالتراجع والهزيمة انهم يشهدون في عصر العولمة وما بعد الحداثة والتحولات الإقتصادية والثقافية العالمية وما يرافقها من إتساع الفجوات بين الأغنياء والفقراء ، والأقوياء والضعفاء ، على عكس ما هو متوقع ، عودة الإنتماءات التقليدية وترسيخا للواقع المحلي الذي رسمت القوى الخارجية خريطته ضد رغبات الشعوب ، في ظل هذه الأوضاع يكثر التساؤل القلق : هل يكون الوطن السوداني مجتمعا؟ ما طبيعة هذا المجتمع ؟ هل الولاء الأول للجماعات المتنافسة أم للمجتمع ككل ، وما موقع الفرد في نسيج هذه العلاقات المتشابكة؟ ما شأن الأمة وكيف نفهم خطاب الهوية القومية ، وما السبيل إلى تحقيق الوحدة في زمن إزدهار الفئوية والطائفية التي تعود بالخير الآني فقط على العائلات والطبقات الحاكمة والقوى الخارجية والداخلية المستفيدة منها ،أو على الأقل التوحد ، في مواجهة تحديات تاريخية كبرى تهدد إستقرارن ووحدة السودان في صلب أسسه .
إن المجتمع السوداني ، كما ننظر إليه هنا ، تآلف معقد يشمل بين مقوماته الأساسية الأفراد والجماعات والوطن _ البيئة والسكان والتنظيم الإجتماعي والمؤسسات والبنى الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية بمختلف تفرعاتها وإتجاهاتها ، متفاعلة في ما بينها ومع المجتمعات الأخرى عبر تاريخ سحيق في قدمه ، وبمواجهة مستقبل شديد الغموض ، ونعتقد هنا أيضا تحديدا نسبيا مرنا لمصطلح المجتمع السوداني وليس مطلقا جامدا فلا نرى من مشكلة أو تناقض حين نتحدث في آن معا عن وجود مجتمع سوداني مكون من قوميات متنوعة مثل قومية النيليين ، وقومية البقارة والأبالة والقومية النوبية في الشمال وفي الغرب وقومية البيجا في شرق السودان ومجموعات العرب ..الخ
نبدا بالتمهيد بمسألة الهوية في مختلف أوجهها بوصف عدد من السمات أو الخصائص التي تميزها،فلمعنى الهوية أوجه عديدة كما يشير الأستاذ طه إبراهيم في كتابة الهوية السودانية إلا أن جميعها تقوم على أصل واحد هو الشعور بالإنتماء إلى جماعة فالإنسان كائن إجتماعي لا يمكن أن يجد نفسه ولا يستطيع أن يحافظ على حياته أو إستمرارها وأستمرار نوعه بدون الإنتماء إلى جماعة أي بدون أن يكون له هوية وهذا هو الوجه الإجتماعي لمعنى الهوية ، وللهوية تأثير خطير على الفرد وعلى المجتمع الذي يعيش فيه ، ذلك أن شعور الفرد بالإنتماء إلى جماعة معينة أو مجتمع معين هو الذي يحدد وطنيته ، بمعنى إخلاصه لذلك المجتمع ، فالفرد الذي يشعر بإنتمائه إلى جماعة معينة لا يمكن أن لا يهمه مصير هذه الجماعة ، ومن هنا يتضح الأهمية القصوى في زرع الإنتماء إلى المجتمع أو الجماعة في وجدان كل فرد وهو ما يعرف بالتربية الوطنية ، أن أهم ركيزة في بناء الهوية هو عدم السماح لجماعة في المجتمع أن تضطهد جماعة أخرى .


الهوية القبلية
الهوية القبلية في الواقع سبقت كافة أنواع الهويات التي ظهرت عبر تاريخ الإنسان سواء الهوية الدينية أو العنصرية أو الثقافية أو اللغوية أو اللونية أو الطائفية أو العقائدية ، لقد كان الإنتماء إلى القبيلة يقوم على رابطة الدم سواء حقيقة أو حكما ، والإنتماء هنا يقوم على ركائز مادية صلبة ذلك أنه يمنح الفرد إحساسه بذاتيته وإحساسه بكرامته وهو أيضا في المجتمعات القبلية يمنح الفرد الحياة والحرية والحماية والأمن والغذاء والأسرة والثروة .. وبطبيعة الحال يمكن أن لمجتمع يصهر كل قبائله في بوتقة إجتماعية واحدة تزول فيها الفواصل القبيلة بين أفراده .
أن الشعور بالإنتماء إلى القبيلة في مجتمع متعدد القبائل يعد من أخطر مصادر تدمير المجتمع وتأخيره ، ذلك أن الهوية القبيلية تفرز سمات وأنماط من السلوك تؤدي إلى تثبيت كل أنماط التفرقة الإجتماعية بين الناس ، بل تؤدي وبشكل عام إلى سيادة ظواهر الحسد الإجتماعي والغيرة والإحتقار حتى بين قادة المجتمع ، وهذا بدوره يفرز أساليب التآمر في التعامل الإجتماعي والتدابير السرية والسخرية والتهكم في أفراد القبائل الأخرى .. والهوية القبيلة في التعامل الإجتماعي بين الأفراد تنشر الشللية والإنحياز غير العادل لأفراد القبيلة ،إن الإحساس بالإنتماء القبلي الذي يجبر الشخص على ألا يخرج من قوالب السلوك القبلي المعادي بالضرورة لكل قبيلة لأخرى والذي يؤدي إلى إفراز كل الظواهر السلبية التي أشار إليها طه إبراهيم في كتابه الهوية السودانية وعلاقات الدين أن هذا الإنتماء يشكل أخطر معاول هدم الإندماج الإجتماعي لأنه يمنع ويعرقل خلق شعور بالإنتماء إلى كل الوطن وإلى كل القبائل بإعتبار أن أفرادها سودانيون ، ولهذا لا بد من إبتداع كافة أساليب التوجيه وأنماط وأساليب الإنتاج التي يمكن تقضي على الهوية القبلية في السودان .

يتبع