السودان: كل هذا الحراك.. كل هذا الطحين..! حسن ساتي

السودان: كل هذا الحراك.. كل هذا الطحين..! حسن ساتي


08-24-2006, 00:56 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1156377410&rn=0


Post: #1
Title: السودان: كل هذا الحراك.. كل هذا الطحين..! حسن ساتي
Author: Mohamed Omar Salem
Date: 08-24-2006, 00:56 AM

ربما يكون هذا المقال بلغة الشاطر والمشطور وبينهما طازج، هو الأكثر ####اجة ، فها أنا وبعد عودة لوطني السودان تلت 18 عاما و 51 يوما كانت منفى اختياريا، كما يقولون، أعود الى لندن أمس الأربعاء، ومن مطار هثرو الى منزلي ثم هولبرن حيث مقر هذه الصحيفة على مرمى حجر، ليفرض الحس الصحافي العالي لدى قادتي هنا أن أكتب لأجيب على سؤال بسيط: ماذا يجري في السودان.

السؤال صعب وسهل في آن معا. عناصر الصعوبة أن الذي يجري هناك، وإذا ما كان له أن يؤخذ في تجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يحتاج لمجلد كامل وليس دفقة خاطر من خمسمائة كلمة. وعناصر السهولة أن الحدث السوداني ومع مجتمع رعوي وزراعي تلبّس الحالة الصناعية وطقوس المدن، لا يحتاج لكبير عناء لتأخذ بكلياته، وليس بالضرورة بتفاصيله الدقيقة. وفي مجتمع بتلك السمات يمكن أن يبوح لك قريب لسائق لوزير بما سمع في شأن الدولة من صناع القرار منسوبا الى مصادره. وفي مجتمع بتلك السمات يمكن أن تكون بعض التجليات مضحكة. فيوم الخميس الماضي هزم فريق الهلال نده التقليدي المريخ بهدفين، فكان أن تظاهرت جماهير المريخ ضد الجهاز الفني للفريق وحصبته بالحجارة وهشمت سيارات بعض اللاعبين، فاستجابت الإدارة وأعفت الجهاز الفني. ولكن المفاجآت تتوالى يوم أن التأم الفريق ليؤدي مرانا آخر، استعدادا لمباراة قادمة، فتجيء المفاجأة أن الجمهور الغاضب يتربص بالتمرين ويعتدي على أحد نجومه ويمزق ملابسه، ثم يقرر الجمهور، وأكرر الجمهور، الإطاحة بنحو ثمانية لاعبين آخرين رآهم تقاعسوا في أدائهم في مباراة الخميس أمام الهلال. والشاهد هنا أن الجمهور الرياضي في السودان يمكن أن يكون له فيتو، مثله مثل دائمي العضوية في مجلس الأمن، ولا أظن أن جمهور رياضة في العالم يملك مثل هذا الرادع في شأن هو من اختصاص المدربين.

وعلى صعيد السياسة بامتداداتها المختلفة، يقف أهل شمال السودان ووسطه ، وشرقه ، وربما جنوبه ، على أطراف اصابعهم وهم يشهدون النيل الأبيض والنيل الأزرق وفروع القاش والعطبراوي يسجلون ارتفاعا في المنسوب تقول لك التقارير إنه الأعلى منذ 1946، تاريخ أعتى الفيضانات إهلاكا للزرع والضرع ، بما يعني أن الأيام القليلة القادمة ستقدم السودان على صعيد الكوارث الإنسانية ليكون وجبة يومية لأجهزة الإعلام العالمي. والطريف، أنهم وهم يعيشون ذلك الرعب ، أكملت لهم وزارة المالية (الناقصة ) فردعتهم بزيادة في اسعار المحروقات ، لتتوالى ردود فعلها زيادات في تعريفة المواصلات ومن بعدها أسعار السلع الاستهلاكية. سوط عذاب داخلي، يعانق سوط العذاب الخارجي الذي دشنه كوفي أنان بخبر يقول، إن الخرطوم تستعد لمحاربة القوات الدولية ، ليكمل الاتحاد الأوروبي ( الناقصة ) أيضا، فيركب موجة أنان ويتحدث عن نية في تعيين مبعوث خاص لدار فور.

في غضون ذلك ، يحدثك شارع الخرطوم السياسي عن الانقسامات المتوالية داخل الأحزاب السياسية على خلفية الموقف من قبول القوات الدولية كأحد الحلول للخروج بدارفور من نفقها القديم المتجدد. انقسامات في حزب الأمة حولته الى ما يقترب من الثلاث مدارس، وأكثر منها في الاتحادي الديموقراطي. والمؤتمر الوطني الحاكم كان قد شهد انقسامه بخروج جماعة الترابي بالمؤتمر الشعبي، والأخير يعيش مخاض الانقسام الآن على خلفية قبول زعامته بالقوات الدولية. والشيوعيون يعيشون مخاض الاختلاف بين الإبقاء على مسمى الحزب أو تحويله الى جبهة تجمع أطياف اليسار السوداني.

وحتى على صعيد التلفزيون القومي، هناك إرادة حقيقية لدى القيادة لجهة تثوير وتغيير جذري يليق والنقلة ، أو قل الطفرة السياسية التي حدثت بما فيها من فضاء جديد لحرية التعبير، ولكن في مقابل حرس قديم يلهث لتعويق التغيير.

السودان حراك مشهود، وسيولة عالية، طموحات لا تريد أن تقنع بما دون النجوم، ولكنها في فراش واحد مع زمر من اليأس وفقدان الإحساس بالغد، وكل ذلك مع نيل غنوا له كثيرا فما حفظ من غنائهم شيئا ويتأهب الى اللحظة لإعلان معظم أنحاء السودان منطقة كوارث.

السودان، وباختصار، حراك كثير وضخم، وطحين ليس بنفس الضخامة، أما الأسباب فتلك قصة أخرى.

http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&artic...e=379477&issue=10131

[email protected]

b