مرتضي الغالى: هل يريد المجتمع أن تبق قصص ممارسات التعذيب طي الكتمان؟

مسألة

مرتضي الغالي



اذا كان المجتمع السوداني يوافق على ان تظل ممارسات التعذيب المهنية والوحشية والخارجة عن كل خلق ودين وعن كل فكرة سوية (او حتى غير سوية) والتي جرت بايدي سودانية ضد مواطنين سودانيين والتي بلغت من أهوالها ما لا يمكن ان يدور بخلد اي جلاد حتى في (الكيان الصهيوني) .. اذا كان المجتمع يوافق على ان تبقى (طي الكتمان) بدعوى ان (هذه القصة) قد انتهت وان الناس اصبحوا (اكثر ظرفا) واكثر ميلا للابتسام فهذا أمر آخر وعلى العين والرأس وينبغي حرصا على (الذوق العام) اذا كان الامر كذلك ان يصمت الذين تعرضوا لهذه الافعال الفظيعة التي لم يقتصر اذاها على اجساد الضحايا او ارواحهم او ذكرياتهم او نفسياتهم او وجدان اهلهم واطفالهم بل امتد ليلطخ زوايا الحياة السودانية بعار لا يمكن البرء منه (عن طريق الصمت) حيث سجلت وقائع الايام ودورة التاريخ في هذا الوطن انه في فترة من حياته الراهنة المعاصرة قبل سنوات قليلة وقعت حالات من القهر الذي لا يمكن النظر إلى قاعه والعذاب الذي لا حد لوضاعته على مواطنين عزلاء انفرد بهم آخرون ولم يكن لهم ذنب غير انهم كانوا يضمرون فقط (رأيا آخر) في مجريات احوال السودان بل ان كثيرين ممن تعرضوا لذلك التعذيب الذي فاق في (خسة وسائله) ما جرى في اشد انواع القهر بشاعة على امتداد شموليات العالم بطواغيته القدامى والجدد ..! بل ان كثيرين ممن تعرضوا لتلك الممارسات البشعة قد اخذوا على الظن وسابق المعرفة بان لهم رايا سياسيا مخالفا وليس لانهم ابدوا هذا الراى او جهروا به ، ولعلك تلاحظ ( يا صاحبي) انني هنا اتحدث عن الذين تم تعذيبهم من غير اشتراك في اي اعمال عنف بل لمجرد المخالفة في الرأى والسياسة والنقابة ..! اذا اردت ان تعزل شخصا من العالم وعن الفعل اعتقله وضعه في زنزانة في السجن العمومي ولكن ما معنى ان تضعه في (حمام ملوث) وهناك (غرف خالية) في بيت الاشباح ؟! هل يمكن لبشر في اي ملة ان يعاقب صاحب الرأى الآخر والمخالفة السياسية المفترضة او الواقعة بان يجلسه مع ثلاثة آخرين في حمام يمتلئ حتى (نصف الساق) بمياه الصرف الصحي وفضلات البشر وهو مع ثلاثة آخرين وسعة هذا الحمام (تسع بلاطات في خمس) اي اقل من متر ونصف المتر، ثم بعد ان يقوم المحتجزون بتجفيف هذا الماء الذي لا تطاق عفونته بعمائمهم وفضل ثيابهم بعد جهد خمس ساعات، يتم فتح صنبور ماء البالوعات مرة اخرى من انابيب خارجية ليمتلئ الكنيف مرة اخرى وسط قهقهة الجلادين الشرفاء ؟! ثم يتناوب المعتقلون الاربعة الجلوس والقيام والنوم في هذه المساحة التي لا تكفي لاستعدال (اربعة احذية) في وقت واحد .؟!
.. دعنا من هذا، فقد دعانا بعض القوم لعدم إثارة الماضي لان الجماعة تركوا هذا واصبحوا (أكثر ظرفاُ) ..!

www.alayaam.info