رحلة مع شاعر السمندل والفراشة

رحلة مع شاعر السمندل والفراشة


08-05-2006, 08:45 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1154763926&rn=1


Post: #1
Title: رحلة مع شاعر السمندل والفراشة
Author: عبد اللطيف عبد الحفيظ حمد
Date: 08-05-2006, 08:45 AM
Parent: #0

عبر تلك الدهاليز المعتمة، وفي الأزقة الضيقة الدارسة، نبحر عبر الليل إلى ذلك المعبر السري إلى تلك الشرف القديمة حيث تطل الصحراء وتفتح تلك المدافن القديمة أبوابها، وتتحدث إلينا بشفرة الصحراء القديمة، تلك المدن المدفونة في جوفها تصحو فجأة بعد أن عبر فوقها السمندل، وطلعته البهية وهو (مبتل بالنار)، وتواصلنا برهة للتأمل وبرهة للغياب، وقد دهشت من وصف تفاصيل هذه العوالم الحفية العصية على خيالي المحدود، مع هذا المطلق الوجودي الكثيف، كأني قد أخذت خلسة إلى ممالك الجن التي سمعنا الكثير عن غرابتها ومكنوناتها العجيبة.
نقف عند سدرة التاريخ التي اهتزت لذلك الحضور المحتشد من كل فج، والتمعت الأشباح الليلية برهة ثم اوقدت السرج وشوهدت الكثير من الكائنات المنقرض منها وغير المنقرض وغطى المكان الضجيج، كانت تلك الرمال تتفجر خضرة وجمالاً في تلك الغياهب الليلة، وشوهدت الذبائح تساق إلى الردهات إلى المذابح، وكان يوماً حافلا بالطبول والبخور والرقص والغناء، وقد عبرنا إلى تلك الشرف عبر معابرها العجيبة وأبوابها العريضة حينا والضيقة أحيانا، وانحدرنا قليلا إلى الغابة حيث شهدنا كرنفالا عظيماً من الطرب واللعب واللهو المباح وغير المباح بين سكان الغاب.
وحين فتحت أبواب النهر عبر منحدرات الغابة الضيقة، كانت الشمس ذاهبة للأفول، وذهب السمندل إلى غياهب الغياب وشهدنا ما شهدنا، كأننا أمام ميلاد جديد وخليقة جديدة، يتقدمنا موكب وعلى رأسه اسماعيل (صاحب الربابة)، وهو يرسل الالحان وهاجة إلى الآذان، ثم تواصل مرحنا سويعات عند حديقة الورد الأخيرة، وعند منعطفاتها وممراتها المخضرة، ودار الجميع بالحديقة دورات عدة ثم أعياهم التعب وراحوا في غفوتهم، ولكن تلك العيون التي (جهرتها) نيران السمندل ظلت منتبهة على الدوام، وازداد توهج السمندل من قميصه الناري، الذي لم يدم طويلاً حتى غاب في غياهبه، وظل وميضه متألقاً للرائين حتى أتت الساعة (البنفسجية من الليل)، لنبصر عبر خيوط الظلام الآخذة في الانهيار أول الطيور فوقنا محلقاً نحو قرص الشمس، لتبدأ من جديد دائرة الضوء، تلتمع في الأفق البعيد.
وانحدرنا عبر النهر الضيق مسرعي الخطى لنشهد كرنفال النوارس البحرية وعرس (الملكة جانشاه) التي ظللنا نختلس النظرات إليها، لعلنا نمتع بصرنا بذلك الجمال الآسر، وهذا البريق الذي يتكسر من بين أعينها، وأمعنا الأنظار ملياً إلى كائنات البحر وهي تمرح في ذلك العرس البهي، كان ليلا حافلا بألوان الجمال، وكان الحياة قد نبعت من هنا، عند أسورة تلك المملكة التي تربت على عرشها (الملكة جانشاه)، كانت تسبقنا الألحان يتردد صداها في الكون (ببنات البحر ضاجعن إله البحر في الرغو) كان سحراً أن نعبر ذلك الكون المكمل بصحراءه وغابته وبحاره.
وسمعنا ما سمعنا، حين روى لنا الناس عن ذلك التنين الذي يرفرف على (الأرض اليباب) منذ زمن طويل، (أخضر الجلدة، وهاج الشعل)، كان أخضرا ولكنه بدأ يتلون بكل ألوان الوجود، كما وصفوه لنا لحيظات الصفا والسكون، وسيقشعر بدنك عندما تسمع تلك الحكاوي عن ذلك التنين الذي (رفرف في ليل المدينة ليلاً)، وتمطت أشعته عبر الكون.
عبرنا، ثم تشتت الركب، ولكن تلك الصور ظلت باقية تفصح عن نفسها حينا طويلا من الدهر، كانت رحلة وجودية طافت بنا من بدايات الكون إلى نهاياته، وظلت منها الرسومات المعلقة على الجدران، وبعض الحروف الشعرية المموسقة، وصدى تلك الأصوات الساحرة، وتلك العوالم المليئة بالإندهاش والوجل.